رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

من إشكاليات العقلية المصرية تعلقها بالمطلق من المعانى والأشياء والمعتقدات.. هذا المطلق يفتح أبواب جهنم أمام ثنائيات مهلكة، مثل الايمان أو الكفر- الأسود أو الأبيض - الوطنى أو الخائن - البطل أو الصعلوك -الجمال أو القبح - التحضر أو التخلف -  المثقف أو الجاهل. مثل هذه الثنائيات تضغط على العقل الجمعى للناس وتدفعهم للتعلق بمعنى «الإجماع» على الأشياء والأفكار.. وأخطر ما فى نظرية التعلق بالاجماع أنها تقتل نظرية النسبية التى هى أساس وقاعدة التطور من حيث ضرورة إعمال العقل وضرورة إدراك البراهين التى تثبت صحة وواقعية الأفكار.

دينيا، ليس هناك فى الإسلام الصحيح «إجماع» بمعنى أن رأيا ما أو فتوى يلزم الأخذ بهما لأن هناك إجماع من علماء المسلمين على ذلك.. الإجماع حسب ما يروج له البعض منذ الفتنة الكبرى خاصة بعد مقتل على بن ابى طالب وحتى يومنا هذا وهم كبير وتضليل للناس، ودفع للمجتمعات أن تظل خاملة كسولة بليدة لا تجتهد لحل مشكلاتها لأن هناك حلولا معلبة ومغلفة بوهم الاجماع اللامع لمعان السراب الخادع.

تاريخيا فإن مقولة الإجماع تم استهلاكها سياسيا تحت غطاء دينى - وظل كثير من الفتاوى والآراء يصدر لخدمة السلطان ومغانم الحكم تحت مظلة دينيه تقول إن ما يحدث هو «بإجماع أهل العلم».. نكبة المجتمعات العربية والاسلامية المعاصرة ونحن فى القلب منها أن التراشق بالآراء والأفكار ليس محصلة نوع من البحث والحراك المجتمعى الثقافى، ولكنها أسلحة قديمة تستخدم فى أزمنة حديثة.. اسلحة مصدر قوتها أنها آتية من الكهوف، محملة بغبار القبور وعسف القصور فى أيام خلت قبل أكثر من ألف عام.. يقول المستنير والامام الأكبر الشيخ محمود شلتوت فى كتابه القيم «الاسلام عقيدة وشريعة» كان الشأن العام فى عهد أبى بكر وعمر، التحرى الشديد فيما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت حجية الرأى ترد إلى تقرير القرآن مبدأ الشورى، وقد ثبت اقرار النبى صلى الله عليه وسلم للصحابة الذين كان يبعثهم إلى الأقاليم النائية على الاجتهاد والأخذ بالرأى فيما لم يجدوا حكمه فى القرآن والسنة.

ما تفضل به الإمام الأكبر يحمل مضامين راقية لحرية الفكر والرأى ووجوب احترام «عصرنة» الحياة وتحريرها من كثير من الأغلال التى كبلتها بدعوى عدم الخروج على «الإجماع».. والمتأمل للمجتمعات التى قدر لها أن تتقدم وتحقق وفورات اقتصادية كبيرة أنها مجتمعات ترسخ لدى أفرادها ومؤسساتها من عقود مضت أن الحقائق نسبية وليست مطلقة، وأن ما هو مناسب اليوم قد لا يكون مناسبا غدا.. العقل الجمعى فى المجتمعات المتقدمة بإنتاجها وابتكاراتها العلمية هو عقل بحثى يقر بنسبية كل شيء، ولا يسلم نفسه لأفكار جاهزة لمجرد أنها خرجت للتو من معبد أو كنيسة أو مسجد.. يختتم الشيخ شلتوت مؤلفه «الاسلام عقيدة وشريعة بالقول: ليس فى الاسلام من يجب الأخذ برأيه من خليفة أو إمام أو قاض، فليس بينهم من هو معصوم من الخطأ، ولا هو مهبط الوحى. هذا الكلام من أحد أهم أئمة الأزهر الشريف تمنيت لو يدرس فى مختلف مؤسسات التعليم بمصر لنربى أجيالا جديدة على ثقافة أن بين الأبيض والأسود توجد الحياة الحقيقية، كما أن بين الإيمان والكفر تعيش الأديان وتستمر رسالاتها.. التمسك بالمطلق هو بعينه الكفر بالحقيقة.