رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لم تعد المجتمعات كما كانت في سابق أزمانها كتلة ضخمة مترهلة ملغمة بالأسرار . لقد أصبحت مع مواقع التواصل الاجتماعي  في العقود الثلاثة الأخيره تحديدا كيانات معلوماتية شديدة التواصل والانكشاف . مع حقيقة ان هناك خمسة مليارات في العالم يستخدمون الانترنت ، من بينهم  ثلاثه ونصف مليار يستخدمون الفيس بوك ، انتقل النضال وجدل الرأي من الأحزاب وصالونات النخب إلى  شاشات صغيرة بقبضة اليد ، بغض النظر عن عمق وقيمة الآراء والأفكار المطروحة عليها . كانت الدول والحكومات غنية أوفقيرة تنفق الكثير في أزمنة سابقة للوقوف على حقيقة مايدور في العقل الجمعي لمجتمعاتها ، واليوم يفيض من مواقع التواصل الاجتماعي من المعلومات عن طبيعة هذه المجتمعات وأخلاقها ومشاكلها  وثائريها ، ما يغني عن هذا الانفاق ، ويحول الخصوم إلى عصافير اليكترونية يسهل اصطيادها  .

من المؤكد أن دولا كثيره استفادت من مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها بوابات " تنفيس " عن المكبوت بالكلمة والصوره بدلا من التنفيس بالصراخ والصدام . ظاهرة  " التفيس " الاليكتروني  ليست بالتأكيد الكلمة الأخيره للاحتقان أو الغضب العام ، لأن الوجه الآخر للمسألة أن هناك حالة سيولة وانكشاف من الممكن أن تتحول إلى فعل عام لأن استمرار تسخين الأفكار يجعلها جاهزة للاشتعال في أي وقت وبدون تروي أو دراسة أو فهم للأهداف فمن الممكن في لحظة ما أن يفيض الموج الافتراضي وينزل مدفوعا للشوارع  بلحمه ودمه محلقا في فضاء بلا أجنحة تحليقا أشبة بالسقوط . 

المجتمع المصري من المجتمعات التي نقلت عفشها تقريبا إلى غرف وصالات مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك " ، وهذا الأمر يعبر عن حقيقيتين مهمتين : الأولى أن ندرة تدفق المعلومات من مصادرها المؤسساتيه بكل مستوياتها يدفع مجموع الأفراد إلى معترك الساحات الاليكترونية بمشاركات الكثير منها عشوائي وأحيانا عبثي ، والحقيقة الثانية أن العقل الجمعي للمصريين لم تضربه الشيخوخه أو يصاب بنوع من الترهل أواللامبالاه – وربما يكون السبب الأكثر منطقية لهذا المؤشر ليس اليقظه ، وانما قسوة ظروف الحياه لدى كثيرين والتي تقربهم أحيانا من الشعور  بالموت، ولكنها حالة لاتساعد على بالتأكيد على النوم .

هناك وجه آخر لمسألة سيولة المعلومات الافتراضية في المجتمعات النامية – ونحن بقلبها – وهي ماذا نفعل بهذه المعلومات وكيف ندورها ونوظفها ؟ المؤكد أن االأفكار مهما كانت طازجه  لاتستطيع العقول الشائخة أو المراهقة أن تغزل منها ثوبا عصريا .. باختصار الأفكار عندنا مازالت " ماده خام"  بلا قيمة مضافة ، ولن تخرج من قبورها لتتنفس قبل أن يتحرر الفكر الاجتماعي من ثقافة تلك القبور .

عام 1852 كتب الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هوجو " من السهل مقاومة غزو الجيوش ، ولكن يظل من المستحيل مقاومة غزو الأفكار " . في عصر هوجو لم يكن حتى الترانزستور قد اكتشف بعد ، ولم يخطر ببال الروائي الفرنسي أن هناك غزو تكنولوجي على الأبواب سيقلب حياة البشرية ويغير مساراتها . بعد أكثر من مئة وخمسين عاما من فيكتور هوجو يطرح بيل جيتس أحد كبار مؤسسي عصر المعلومات وصاحب مايكروسوفت سؤالا في ختام كتابه " " المعلوماتيه بعد الانترنت " كيف يكون لى مكانا في المستقبل وفي عصر سريع التغير؟  ويضيف - من حق الرجال والنساء أن يقلقوا ويسألوا أنفسهم مذهولين : هل يمكن أن تكون وظائفنا شيء انتهى زمانه ؟ هل سيتأهل أطفالنا للعمل في صناعات ومجالات ستختفى من الوجود قريبا ؟ هل ستخلق طفرات التكنولوجيا بطالة جماعية عند كبار السن ؟ .

الحقيقة أننا في مصر وفي العالم العربى تحديدا توجد خصومه بيننا وبين دراسات المستقبل . مواقع التواصل الاجتماعي مشغولة بخناقات النجوم ، وفضائح الساسه ، وعقود لاعبي الكرة – والأنظمة  مشغولة بالسلطة والبقاء  - كل ذلك يحدث رغم أن المستقبل القريب ستفيض أمواجه بردا وسلاما ونعيما على من ذهبوا إليه مبكرا ، أما الغافلون فسيقذف بهم الى صحاري النسيان .