رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

كان من السهل اختفاء أغانى المهرجانات بعد ظهورها بوقت قليل لتنحسر فى مساحة ضيقة جدًا من الاهتمام العام خاصة بين الشباب. وللإنصاف فقد تأملت أحوالنا ورأيت أن موضة أغانى المهرجانات قد ظهرت واستفحلت فى مناخ «مهرجانى» بطول وعرض مصر من أربعين سنة على الأقل.. بحسب تصورنا عن مطربى المهرجانات أنهم لم يدرسوا الموسيقى والغناء، ويفتقرون للمواهب الفطرية التى تخلق نجمًا كبيًرا، فإن واقع الحال أن الكثير من أشهر نجوم الإعلام، والفن، ومشايخ الفضائيات والزوايا، وحتى الكثير من المسئولين التنفيذيين – كل هؤلاء بمعيار الحكم على حمو بيكا وحسن شاكوش ومجدى شطه فهم أيضا نجوم مهرجانات فى مسارحهم التى يتصدرون واجهتها..

فى سبعينيات القرن الماضى، وتحديدًا مع سياسات الانفتاح «السداح مداح» حسب وصف كاتبنا الكبير الأستاذ أحمد بهاءالدين، واكب رحيل أم كلثوم 1975 وعبدالحليم حافظ 1977 ظهور عدوية وكتكوت الأمير، ثم فى الثمانينيات حسن الأسمر ورمضان البرنس وحمدى باتشان. وقت هؤلاء كان لايزال فى مجالات الأدب والفن والنقد والعلوم بقية من أسماء كبيرة لها ثقلها وتأثيرها فى فى مصر وفى محيطها العربى.. ومع تراجع القيمة مقابل الفائدة والثمن تبدلت ثقافة المجتمع وتراجع الذوق العام بين كل الطبقات من أدناها لأعلاها.. هذا التراجع لم يكن غريبا، وحتى الآن ليس غريبا لأن هذا المجتمع هو نفسه ومن بين ضلوعه خرج نجوم المهرجانات من الدعاة الجدد الذين حولوا الدين والفكر الدينى إلى مول تجارى ضخم يباع ويشترى به كل شيء.. بدأ يتسلل للضمير العام أن القيم والأخلاق والمبادئ وجدية العمل كلها سلع فاسدة أو شبه ذلك ومعطلة للتطور، وسادت فكرة قاتلة تقول بأنك تساوى ما فى جيبك وليس ما فى عقلك.. ثم زحفت رمال التصحر على ميادين فى غاية الخطورة والأهمية لبناء وتقدم الأمم، ومثلا أصبح الحصول على الدكتوراه أيسر ألف مرة من الحصول على الثانوية العامة، ومن يتأمل الكم الهائل من رسائل الدكتوراه التى منحت فى العقود الأربعة الأخيرة سيذهل من ضخامة الرقم، وضآلة التأثير.. النتيجة الطبيعية أن فى جامعاتنا اليوم من يحملون ألقابا علمية بلا محتوى علمى، تماما مثلما يحمل مطربو المهرجانات ألقاب نجوم بلا مضمون فنى.. وفى ساحة الإعلام الظاهرة متورمة لأن عدد من يحملون لقب إعلامى مهول، فى حين لا يوجد لدينا إعلام بالمفهوم المهنى الراقى والجاد والمسئول..

حتى ضيوف المنابر الإعلامية أدمنوا ثقافة «أغانى المهرجانات» وحمل الكثير منهم ألقابا من قبيل المفكر والخبير الاستراتيجى والمحلل الرياضى.. فى الكرة أى مهرجاناتى يتحدث ويعلق، وفى الفن والأدب جف نبع النقاد المتخصصين، أما الدعاة الجدد فحدث ولا حرج، ووحدهم فعلوا بعقل المصريين ما عجز الاستعمار القديم والحديث عن فعله.. الخلاصة أن الحياة تحولت لمهرجان كبير أوجد تصدعات فى مجالات كثيرة، وأخطر ما ترتب على هذه الظاهرة «المهرجانية» أنه حتى على مستوى المناصب التنفيذية الكبرى تسلل بعض نجوم المهرجانات وتصدروا المشهد، وسرعان ما كان الاختفاء ضروريا بعدما تأكد أن هذا المسئول أو ذاك من الفصيلة «المهرجانية».. الانتخابات مثلا وعلى مستويات كثيرة أصبحت ظاهرة كاشفة عن أجيال متعاقبة من «المهرجاناتية» الذين يقتحمون مجالس نيابية ومجالس إدارات أندية ونقابات وأحزاب.. وخلاصة المشهد تحتم علينا شهادة حق بأن حمو بيكا وشطة وشاكوش هم أحفاد لظاهرة مهرجانية زحفت علينا من منتصف سبعينيات القرن الماضى واغتالت حياتنا. وليس من قبيل ترديد «نظرية المؤامرة» لو قلت بأن هناك بالإقليم من يطيب لهم أن تختفى من مصر القدرة على إنجاب الكبار، وأن تصغر أحلام الناس إلى حد التقزم.. الراحل الكبير الشاعر محمود درويش تنبأ مبكرا بتدهور أحوال العالم العربى كمجتمعات ودول بإطلاق عبارته الشهيرة «نحن نعيش زمن انتحار المعنى».. أتصور – وأتمنى أن أكون متصورا للحق – أن الدولة المصرية الآن تدرك وتلمس خطورة تآكل المعنى والقيمة وتشوه الهوية، وأهم ما يجب أن تنتبه إليه أن تصدق وتؤمن بأن الإنسان الآيل للسقوط لا يستطيع الغناء.