رؤى
حظيت المكتبة العربية بالعديد من كتب المنامات، فقد وصلنا العشرات من المؤلفات، اهتم أصحابها بتسجيل الأحلام والرؤى الغريبة والطريفة والغامضة لبعض الشخصيات، خاصة الحكام والوزراء والكتاب والفقهاء وغيرهم، مثل كتب: ابن سرين (ت 110هـ)، وابن أبى الدنيا (281هـ)، والتنوخى (ت 348هـ)، والوهرانى (ت 575هـ)، والنابلسي (ت1143هـ) وغيرهم العشرات، أضف إلى هؤلاء ما ذكر فى متون كتب الأخبار والتاريخ.
هذا الاهتمام المبكر بالمنامات تسجيلا، وتفسيرا، وتأويلا، يثير سؤالا على قدر كبير من الأهمية، هو: هل المنامات تعد آلية للتفكير فى بعض المراحل والثقافات والديانات؟، هل انشغال بعضنا بالمنامات مرتبط بحجم ثقافى وعلمى وعقائدي؟، بصياغة أكثر تفصيلا: هل اهتمام البعض بالأحلام وتفسيرها قديما وحديثا يمكن إرجاعه إلى تدنى المستوى العلمى، بما يماثل لجوء البعض إلى الوصفات الشعبية فى الأمراض التى عجز أمامها الطب؟، لماذا يحرص البعض على استنطاق منامه؟.
انشغلت لفترة طويلة بالبحث عن إجابة، رجعت إلى العديد من الدراسات العربية الحديثة، ولسوء الحظ أغلب الأبحاث التى توافرت لدى لم تنشغل كثيرا بأسئلة كهذه، اهتمت فى مجملها بالقالب الأدبى، بحثت فى بنية المنامات وجماليتها السردية: الخبر، السند، التبرير، التفسير، التأويل، التنبؤ، التخيل، الحكى، الإمتاع، وتصنيف الجنس الأدبى، انتخبوا بعضها من الكتب وأخضعوها لأفكار ونظريات نقدية جاهزة.
وما يلفت الانتباه أن بعض من قرأنا لهم قفز على مصداقية الأخبار، وتعامل معها كواقع وحقيقة، ولم يفترض للحظة إمكانية وضعها أو التدخل فى نصوصها بالتحوير أو التعديل أو المبالغة، وتناسوا أن أغلب ما وصلنا من منامات تم تحويره أو تصنيعه.
المؤكد أننا لا نهدف من المنامات السابقة التشكيك فى مصداقية أخبار المنامات على اطلاقه، ولا إدراجها ضمن ما سماه الناقد الفرنسى من أصل بلغارى تزفتان تودوروف، بالأدب العجائبى، الذى أخذ به سعيد يقطين، وعبدالفتاح كيليطو وبعض الباحثين المعاصرين، فقط قصدنا التنويه إلى أن المصادر التى وصلتنا تضمنت ما تم تصنيعه عن عمد ووعى، وما تلقاه الحالم دون وعى أو تدخل منه، النوع المصنع يدرج ضمن الأشكال الأدبية، والنوع الثانى هو ما نتحدث عنه، وبغض النظر عن مصدره، كان سماويا أو من الشيطان، مادته/المنام يتلقاها النائم فى صور متباينة: مكتملة، أو متداخلة،أو مشوشة. وفى كل الحالات يتم استدعاؤها بعد الاستيقاظ، وهنا تبدأ مرحلة التدخل فى نص المادة الخام بالصياغة، ربما لترتيب الأحداث أو لاختزالها أو لتوضيحها، ويطلق عليها المرحلة الشفاهية.