رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

ترى التوراة أن خطأ الآباء أنهم يعتقدون فى بعض الأحيان أن أطفالهم سيبقون صغارًا إلى الأبد، لكن الأطفال لا يستطيعون الانتظار حتى يكبروا ويكتشفوا معرفة الخير والشر بأنفسهم. هذا هو الحافز الذى دفع آدم وحواء إلى أكل الفاكهة المحرمة لتغمر المعرفة عقليهما على الفور. من تلك اللحظة أرسلهما الله ليعيشا الحياة بكل تعقيدات البالغين. وحسب تصور التوراة والقرآن أن آدم وحواء قد فقدا جنات عدن ولكنهما لم يفقدا الله، فالله مازال معهما بعد أن أغلقت أبواب عدن من ورائهما.

قصة الخلق فى الأديان الإبراهيمية تحمل الكثير من محفزات التفكير لأنها من لحظتها الأولى هى تجارة مع الله بالمعنى المادى وليس الروحى.. تجارة بين صانع ومنتج الكون ومستهلكى الزمن والوجود وهم «نحن».. وسواء اتفق جمهور المستهلكين أو اختلفوا مع صانعهم ومنتج حياتهم فإن العلاقة بين الطرفين تبدو نفعية بحتة من لحظة صرخة الميلاد الأولى.. آدم وحواء مارسا حرية التفكير والفعل وامتلكا جسارة المغامرة، وخالفا توجيهات الأب الكبير الذى كما تصوره التوراة قد أخطأ فى اعتقاده أن أطفاله لن يغادروا ملاعب طفولتهم حتى وإن أصبحوا رجالًا أشداء أو فتيات كبرن ولم يعد مقبولا لديهن القول بأن لكم فى الحياة حياء يا أولى الألباب.

استمر الخيط رفيعًا جدا بين الدين والتجارة، وها هو النبى إبراهيم بعد أن ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل فى صحراء موحشة يعود إليهما بعد أن علم بنبع الماء الذى اكتشفه ابنه إسماعيل وهو يدمدم الأرض بقدميه غضبا من هذا المصير الذى دفعهما إليه الأب. المكانة الخاصة لمكة فى الزمن القديم جعلت القبائل والعشائر تتعارك حول بئر ماء فى أى مكان إلا فى قدس الأقداس مكة، حيث الأسواق والتجار والزوار الذين يشربون من البئر المقدسة ويتبادلون المنافع خاصة مع الحجاج القادمين للطواف وشراء الأصنام من المتاجر التى تضاعف عددها حول الكعبة.. وتخبرنا التوراة بأن النبى إبراهيم عرف كم من السهل الانتفاع تجاريا من الدين، فقد شاهد والده يصنع الأصنام ويبيعها، وهى نفسها الأصنام التى أدانها واعتبرها احتيالًا لسلب أموال الفقراء.. إن أسرع ربح يتحقق اليوم فى عصرنا الحالى هو الربح من بيع العزاء الروحى للمحتاجين باسم التجارة مع الله.. الحروب باسم الدين، والدساتير مرجعيتها الدين، والاستبداد والقهر العالمى يرتكب ويمارس باسم الدين.. أمريكا تسرق العالم باسم الدين، ودمرت العراق واحتلته تحت شعار «المجد للعذراء» الذى ارتفع فوق أول دبابة تقدمت أول سرب دبابات أمريكية دخلت الكويت للتحرير ثم العراق للاحتلال.

الأنبياء فى مجملهم عملوا بالتجارة.. الخليل إبراهيم من بيت تخصص بالتجارة فى بيع الأصنام ويوسف كان ماليًّا من طراز فريد والنبى محمد كان تاجرًا وهو دون العشرين واختارته زوجته الثرية خديجة بنت خويلد لإدارة تجارتها وهى سيدة فى الأربعين وهو شاب فى الخامسة والعشرين.. نبوة عيسى بدأت بصدام بينه وبين تجار رومان مارسوا الغش والابتزاز، وصلب على إثرها المسيح كما ورد بالكتاب المقدس، وانتهت بإعلان سياسى من الامبراطور الرومانى قسطنطين الذى اضطهد المسيحيين ونكل بهم عقودًا، ثم اعترف بهم وبمسيحيتهم عام 312 عقب رؤيته فى منام رمز الصليب المسيحى يتوهج أمامه، وسمع صوتًا يأمره «مع هذه الاشارة سوف تغزو».. وبحلول عام 324 ميلادية اتخذ المسيحية دينًا رسميًّا للامبراطورية الرومانية، بعد أن كانت ديانة المنبوذين والمضطهدين.. تطورت الكنيسة وقويت وهيمنت على التاريخ الأوروبى أكثر من عشرة قرون، وأصبحت الكنيسة الكاثوليكية أقوى من الامبراطوريات.. تملك الجيوش وتعقد الصفقات وتتاجر باسم الله، وتريق الدماء فى كل مكان على الأرض باسم الصليب والتجارة مع الرب.

العالم المعاصر الذى ورث ما تبقى من الأديان الابراهيمية يحتاج للحظة انبهار جديدة يفيق فيها على حقيقة أن نصيب التجارة والحروب من الأديان أكبر وأقوى ألف مرة من نصيب الهداية والعدالة والمساواه، وأنه من السذاجة أن يتصور الآباء أن أطفالهم لن يقتربوا من الشجرة المحرمة من جديد.