رؤى
كما قلنا عن تبييض الحلل النحاس قبل شهر رمضان المبارك، نقول عن صيانة بوابير الجاز، قبل أسبوع أو أكثر، كنا نحمل بوابير الجاز إلى السمكرى، بتاع البوابير، كنت أظن أن قريتنا، قحافة مركز طنطا، لم يكن بها سوى محل واحد لإصلاح البوابير، ولكن ماهر ابن عم عبدالله، صحح لى هذه المعلومة، وأكد أن البلد، قبل أن نتركها والسكن فى عمارة جدى الحاج بسيونى بمدينة طنطا، كان بها ثلاثة محلات، وقال لى أسماء أصحابها، وللأسف نسيتها، المحل الأول الذى أتذكره جيداً كان بجوار محل عم سيد مبيض النحاس فى داير الناحية، المنطقة المواجهة للمقابر، وكنت أحمل الوابور إليه، والمحل الثانى كان فى بداية الطريق إلى داير الناحية، على بعد أمتار من بيتنا، والمحل الثالث كان أسفل منزل عم عبده الذى كان يجلد الكتب بالقرب من الطريق الزراعى.
كنت أحمل الوابور قبل بداية الشهر الكريم وأذهب لصيانته، وكانت أعمال الصيانة تشمل: الفونيا، يتم تغييرها أو تسليكها، القيام بلحام الزور، وهو الرقبة التى تحمل رأس الوابور، وغالبا ما كانت تنفس ويقوم السمكرى بلحامها بمادة القصدير، وقد يحتاج الوابور إلى تغيير الرأس، أو جلبة للكباس، فالوابور لمن يعاصره عبارة عن جسم أو علبة بيضاوية، تحملها ثلاث أرجل، يتم وضع الحلل عليها، الجسم له فتحة بمحبس لملء الوابور بالجاز، وفتحة جانبية للكباس، يتم كبس الهواء منها للوابور، كان للوابور آلية ميكانيكية لم أفهمها.
للوابور استخدامات كثيرة، أهمها طهى الطعام، والثانية تنظيف الملابس البيضاء بالغلى، والثالثة تسخين المياه للتحميم وتدفئة الحمام فى الشتاء، ووظيفة أخيرة كنا نستخدمه كدفاية فى فصل الشتاء، فى الغالب كانوا فى الأرياف يقومون بتدفئة المنزل بالركية، وهى عبارة عن صفيحة أو طشت صغير أو قاصة مونة، ويضعون بها حطب أو قوالح الذرة، ويشعلونها ويلتفون حولها، بعض الأسر كانت تضع صاجة الأرز على الوابور وتشعله وتلتف حوله، تشع الصاجة سخونة تدفئ الحجرة.
مهنة إصلاح البوابير كنات من المهن البسيطة، وكان كثير ممن يمتهنونها لا يمتلكون محلاً، وكان يجلس على ناصية أحد المنازل أو يلف على بيوت القرية: «أغير الفونيا، أصلح الكباس، أنا صلح بوابير الجاز أصلح».
أغلب الفلاحين لم يكونوا يمتلكون بوابير جاز، وكان يطهون طعامهم على الكانون، يبنى مربع ناقص ضلع بارتفاع 15 أو 20 سم، يتم وضع الحلل فوقه، والحطب أسفله، وكانت الفلاحات تستخدم الجلة، مخلفات البهائم مختلطة بقش ويتم تجفيفها على أسطح المنازل، وتلقى فى الفرن مع الحطب عند الخبيز أو قطع منها فى الكانون مع القوالح والحطب، والحطب هو أعواد القطن والذرة الجافة.