عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لم يكن شاكر عبدالحميد الذى فقدناه فى التاسع عشر من مارس الماضى منذ عرفته فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى ونحن لا نزال بعد فى مرحلة الدراسة الجامعية الأولى، لم يكن شخصاً عادياً بحال، لقد كان يسبقنى بعام وتكشفت شخصيته المغامرة المحبة للجديد حينما اختار أن يكون بين طلاب شعبة علم النفس التى كانت آنذاك فى مهدها حيث كنا ندخل كلية الآداب لندرس ما كان يسمى بأولى عام ثم تخصصنا فدخلنا ونحن فى الفرقة الثانية قسم الدراسات الفلسفية والنفسية ثم كان الاختيار فى الفرقة الثالثة بين البقاء فى شعبة الفلسفة أو الدخول إلى هذه الشعبة الجديدة- شعبة علم النفس، وقد اختار شاكر ويا للغرابة– رغم حسه الفلسفى العالى– شعبة علم النفس وكان لا شك يشعر بالغربة بين تلك الفتيات اللاتى كن يملأن الشعبة وهو الفتى الصعيدى المحافظ!! وتخرج شاكر من هذه الشعبة متفوقاً وعيّن معيداً بالقسم وكان عليه بعد ذلك مواصلة دراساته العليا تحت إشراف الأستاذ الوحيد والأوحد وهو أيضاً كان الأعظم والرائد د. مصطفى سويف، وكم عانى الفتى المتمرد المحب للخروج عن المألوف من شدة وانضباط الأستاذ ودقته فى كل شىء وكم شكا لى من ذلك متململاً، وكنت دائماً أقول له: إنه الدكتور سويف يا شاكر، إنه الفيلسوف والعالم الذى يفخر به كل من تعلم على يديه. وما زلت أذكر أنا شخصياً كيف كنت أتسلل مع زملاء دفعتى لأحضر واستمتع بمحاضراته لشعبة علم النفس رغم أننى فضلت البقاء فى شعبة الفلسفة!! لكن هكذا كان شاكر عبدالحميد الشاعر دوماً بالقلق والمحب دوماً لكسر كل قيد. ولعل هذا هو ما دعانى إلى عدم معارضته حينما عرض عليه الانتقال إلى أكاديمية الفنون أستاذاً ثم عميداً، حينئذ اتصل بى طالباً رأيى فقلت له: أنت تعرف أننى لا أقبل عن كلية الآداب بديلاً لكننى أعرف عشقك للخروج عن المألوف وضيقك من القيود فلتنطلق إلى هذه الوجهة الجديدة وليوفقك الله لأننى أشفق عليك من الإدارة ومسئولياتها وأنت أميل إلى الكتابة والإبداع!! لكن ويا للغرابة أيضا ذهب شاكر للأكاديمية فازداد شهرة ولمعانا ونجح فى عمله كعميد ثم ترقى إلى منصب نائب رئيس الأكاديمية ومنه إلى أمانة المجلس الأعلى للثقافة ومن كل ذلك ليصبح وزيرا للثقافة فى حكومة الإنقاذ الوطنية التى رأسها أشهر رؤساء وزراء مصر فى تاريخها المعاصر كمال الجنزورى. وهوفى كل هذه المناصب يضيف ويبدع ويحافظ على صداقتنا القديمة ويداوم من جانبه الاتصال بى لنتذكر معاً أيام الجامعة والمشاركة فى مظاهرات السبعينيات وكم ذكرنى بالمجلة التى داومت على إصدارها دورياً كل أسبوعين طوال سنوات الجامعه تحت عنوان «منوعات أدبية» وبأيام إقامتنا فى بيت المعيدين وكيف طردنا منه بعد أحداث انتفاضة  18 و19 يناير 1977م بلا ذنب ارتكبناه وكيف عانينا حتى استقر كل منا فى سكن خاص جديد شديد التواضع حتى فتح الله علينا بعد ذلك!! وبأيام بدأنا فيها معاً الكتابة لمجلة «القاهرة الأسبوعية» التى كانت تصدر عن هيئة الكتاب هو فى باب ثابت للنقد والتحليل الفنى وأنا فى سلسلة مقالات تحت عنوان «فلاسفة أيقظوا العالم».  لقد كانت رحلة دراسة وكفاح وعشق لمصرنا الحبيبة التى ما غادرناها إلا لنعود إليها بمجرد انتهاء مدة الإعارة! وكم كان رائعاً أن نداوم معاً على الكتابة والإبداع رغم المناصب الإدارية التى تقلدناها وكان حظه فيها أوفر كثيراً منى، وكم كان جميلاً منه حينما زرته زيارة يتيمة وهو فى منصب الوزير أن يهدينى بكلمات جميلة أحدث كتبه وعنوانه «الغرابة» وما أن اطلعت على العنوان حتى قلت: إنه أنت.. إنه التعبير الحى عن شخصية وفلسفة شاكر عبدالحميد! وحقاً قلت. لقد كان شاكر عبدالحميد غرائبياً، دائم الشعور بالقلق والترقب، شديد المحبة للجميع رغم شعوره بالغربة بينهم. والذى يطلع على هذا الكتاب الذى كان تتويجاً من وجهة نظرى لرحلته الإبداعية وخاصة بعد كتابه «الفن والغرابة» يجد أنه أمام فيلسوف حقيقى يفلسف ظاهرة الغرابة ويتجول بنا فى طرائف وعجائب النصوص الأدبية والإبداعية فى مجالات الفلسفة والفن وعلم النفس ليكشف لنا عن أبعاد هذه الظاهرة التى تمثل أحد الجوانب المنسية فى شخصية كل إنسان. وقد برع فى تعريف الغرابة والتمييز بينها وبين الغربة والتغريب والاغتراب وكلها مصطلحات متشابكة المعانى والتجليات فى الشخصية الإنسانية وإبداعاتها. لقد كشف عن مدى تأثير كل هذه المصطلحات على جوهر الشخصية الإنسانية المركبة المرتبكة الخائفة المنزعجة من الظلام ومن كل ما ليس مألوفاً ومن تفكك الذات وانقسامها، ومن القرين الذى يصاحبها ومن شعورها بكونها روحاً هائمة فى المكان، من فقدانها المعنى والهدف أحياناً ومن إحساسها الهائل بالخوف من الجليل والمصير أحياناً أخرى!! إن شاكر عبدالحميد فى هذا الكتاب لم يكن عالماً للنفس يشرح النفس الإنسانية ويشرحها من خلال ظاهرة «الغرابة» بقدر ما كان فيلسوفاً وجودياً بحق تفوق بتحليلاته وعمق رؤيته على الكثير من نصوص فلاسفة الوجودية الكبار من كيركجارد إلى هيدجر وكامى وسارتر. إن شاكر عبدالحميد بمؤلفاته البديعة وبمترجماته الرائعة سيبقى ملهماً ورمزاً للإبداع الذى يحتاج لدراسات ودراسات للكشف عن مكنوناته فى مجالات الفلسفة وعلم النفس زمناً طويلاً ربما يمتد لأجيال عديدة قادمة.