رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

يعلمنا الماضى الكثير والكثير. ننظر للتاريخ لنفهم ونستخلص الدروس والعظات والعبر. فى 8 مارس 1919 قبض الإنجليز على سعد باشا زغلول بعد أن حرر الناس له التوكيلات القانونية للحديث باسم مصر مطالبا باستقلالها. وقبل مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على الحدث اشتعلت الثورة فى كل مكان مزلزلة وموجعة للاحتلال البريطانى وممهدة الطريق لميلاد حركة وطنية عظيمة امتدت آثارها أجيالا وأجيالا.

إننا لا نخالف الحقيقة إذا قلنا بأن هذه الثورة تبقى هى الأعظم والأنبل فى التاريخ المصرى الحديث. ففى تصوري، وبعد قراءات تاريخية مستفيضة عن الثورة وعن سعد باشا سواء من أنصاره أو خصومه، فإننى أرى أن أعظم ما تميزت به هذه الثورة هو أنها كانت موجهة ناحية المحتل الأجنبي، وليس ضد الحاكم المحلي، فلم تعادى الثورة مصريا، ولم تستهدف سوى الاستعمار البغيض.

كذلك، فإنها الثورة الوحيدة الشاملة، بمعنى أن الثوار هنا لم يكونوا فئة من فئات المجتمع، ولا طائفة بعينها، أو شريحة مجتمعية فى نطاق جغرافى محدد، وإنما كانوا يمثلون كافة طبقات الأمة من فلاحين، وباشوات، ورجال ونساء، وأفندية ومشايخ وحرفيين. كما أنها شملت مصر ريفا وحضرا وقرى صغيرة ومدنا كبيرة، ولم يتخلف عنها إنسان حتى أولئك المنتمين للحكومة من موظفين ورجال شرطة وعسكريين.

وترسخ ذلك الشمول بنبذ الطائفية تماما فلم يعد هناك أى فرق بين مسلم وقبطي، وهو ما تجلى فى رد سعد زغلول على جورج خياط عندما استفسر منه عن وضع الأقباط بعد الاستقلال، مؤكدا أنه «لا فرق بين أحد منا إلا فى الكفاءة الشخصية.»

وكانت من السمات المميزة للثورة مشاركة النساء فى العمل الوطنى لأول مرة فى تاريخ مصر وانطلاق حركة تحرر المرأة بالتوازى مع المطالبة بتحرر الوطن.

واتسمت الثورة بالواقعية الشديدة، فمدت خطا للكفاح المسلح إلى جانب العمل السياسي، من خلال التنظيمات السرية التى أشرف عليها عبد الرحمن فهمي.

لكن تبقى من أعظم سمات ثورة 1919 ارتباطها بشخصية ذكية، مهيبة لرجل مفوه، ولبق، وقادر على التأثير فى كل من عرفه، وهو سعد زغلول فهذا الرجل الذى نضج فى سنوات طويلة تثبتها القراءة المتمعنة لمذكراته، بعيدا عن استسهال البعض القول بتحوله المفاجىء، كان يحمل فى رأسه مشروع استقلال مصر منذ شبابه، وكأنه يعى أن صناعة التحولات الكبرى تحتاج لتراكم خبرات وربما تمتد عقودًا طويلة.

ورغم كثافة وتعدد الدراسات المنشورة عن الثورة، وقادتها، ورغم تنوع الإصدارات والبحوث الاستقرائية لذلك الحدث العظيم، إلا أن ثورة 1919 مازالت رافدًا لاستكشاف الشخصية المصرية، إذ شكلت ميلادا فعليا للقومية المصرية.

كما كانت الثورة ميلادًا حقيقيًا لمبادىء عظيمة و قيما خالدة، نرى أن استدعاءها فى الوقت الحاضر، وربما فى المستقبل القريب صار أمرا ضروريا فى ظل تحولات سياسية كبرى، وتعرض كثير من البلدان للتقسيم والتفتت، واتساع للمخططات العدائية المستهدفة لبنى المجتمع من خلال الاستقطاب الدينى والعرقي, ولعله من اللافت للنظر أنه فى الوقت الذى تتمخض عن ثورة 1919 نهضة فنية وثقافية وتعليمية واقتصادية وديمقراطية حقيقية، كانت كثير من دول أوروبا تعج فى حروب أهلية مثل المانيا أسفرت عن ميلاد أسوا نظام ديكتاتورى عرفه التاريخ.

لقد قلت مرارا وما أزال أكرر أن ميراث ثورة 1919 ليس ملكا للوفد وحده، وليس حكرا على أحد بعينه، وإنما هو تراث مصر كلها من الشمال للجنوب، فردا فردا، شعبا وقيادة، وهو مجموعة من الدروس غير القابلة للنسيان، ومرحلة فى تاريخ مصر يجب أن نعيها ونفخر بها.

وسلامٌ على الأمة المصرية.