عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من أهم فروع الفلسفة التطبيقية المعاصرة  « الأخلاق المهنية « وهو فرع يعنى بدراسة المهن المختلفة ويرسم طريقا للنجاح فيها من خلال بيان المبادئ الأخلاقية السلوكية التى ينبغى على المشتغل فيها التحلى بها والتمسك بها بل والدعوة إليها . ويالطبع فإن هذا الفرع كغيرة من فروع الأخلاق التطبيقية ينبثق من فلسفة الأخلاق العامة  ومبادئها التى ينبغى أن يتحلى بها الانسان بما هو انسان مثل  السلوك وفقا لمبدأ الواجب ومراعاة الضمير الأخلاقى  والحرص على السعادة العامة للجميع فى كل مايقوم به من فعل والدعوة إلى القيم العليا كالحق والخير والجمال. وتأتى الأخلاق التطبيقية عمومًا لتدعو  ليس إلى الايمان النظرى بهذه المبادئ والقيم العليا  فقط ، بل إلى أن تتحول هذه القيم والمبادئ العامة إلى آليات توجه سلوك الأفراد  فى المجتمع الذى يعيشون فيه حتى يكون هذا المجتمع مجتمعا انسانيا راقيا ومتحضرا . وقد تفرعت عن هذه الأخلاق التطبيقية الدعوة إلى أخلاقيات خاصة بكل مهنة من المهن وهى مايسمى أحيانًا أيضًا بأخلاقيات العمل ، فهناك أخلاقيات المعلم وأخلاقيات السياسة وأخلاقيات الاعلام وأخلاقيات الطب وأخلاقيات البحث العلمى ..إلخ. 

ورغم أن كل تلك الفروع والتفريعات لفلسفة الأخلاق تعد حديثة نسبيًا إلا أنها لأهميتها بالنسبة لحياة الانسان ولحياته الاجتماعية السوية قد أدركها الفلاسفة القدامى وتحدثوا عن الكثير من جوانبها وربما يكون أول من وعى أهمية الأخلاق التطبيقية عموما وأخلاقيات المهن على وجه الخصوص المفكر المصرى القديم بتاح حوتب الذى أعده أول الفلاسفة ورائد الفلسفة الأخلاقية فى الحضارة الانسانية ، فقد اكتشف لهذا الوزير المصرى القديم الذى عاش فى حوالى القرن السابع والعشرين قبل الميلاد  مجموعة من البرديات التى أطلق عليها عالم المصريات الشهير هنرى برستيد كتاب « مخطوط الحكمه « . ويدور هذا الكتاب حول أصل القيم الانسانية جميعا وهى فضيلة ضبط النفس ممثلة  فى نصائح شتى يوجهها بتاح حوتب إلى ابنه الذى يؤهله فيما يبدو لتولى الوزارة من بعده . ومن بين هذه النصائح مايدخل فى صميم الأخلاق المهنية وخاصة مهنة السياسة وتولى المناصب السياسية  مثل تنبيهه إلى ضرورة حسن الاستماع إلى الآخرين سواء الملك الاله أو الأب المربى حيث يقول له «إن المستمع هو الذى يحبه الإله، أما الذى لا يستمع فإنه هو الذى يبغضه الإله، والعقل  هو الذى يجعل صاحبه مستمعاً أو غير مستمع . إن ثروة المرء العظيمة هى عقله، فما أفضل الابن عندما يصغى لأبيه، والابن إذا وعى لما يلقيه عليه والده فإنه لن يخيب فى مشروع من مشروعاته، وعليك أن تعلم من يستمع إليك كأنه ابنك، ومن سيكون ناجحاً فى نظر الأمراء هو من يوجه فهمه حيثما يقال له لأن أكثر المصائب تنزل بمن لا يستمع «.

ولما كانت الخطابة من الوسائل الضرورية الى لا يستغنى عنها رجل السياسة والإدارة الناجح، فقد وجه بتاح ابنه  إلى أخلاقيات التعامل مع الخطباء قائلا «إذا وجدت خطيبا فى زمانك سليم العقل أمهر منك فاثن له ذراعك واحنى له ظهرك، أما إذا تكلم هجراً فلا تصرن حينئذ فى مقاومته حتى ينادى به الناس» أنت إنسان جاهل» . ولكن إذا كان مماثلاً لك فأظهر بصمتك أنك أحسن منه إذا أخطأ فى الكلام وعندئذ سيمدحه السامعون ولكن اسمك سيعتبر حسناً بين العظماء.. أما إذا كان شخصاً حقيراً ليس نداً لك فلا تغضبن عليه لأنك تعلم أنه تعس.. احتقره وبذلك يؤنب نفسه، وأنه لقبيح أن يضر الإنسان شخصاً محتقراً» . 

إن تاريخ الفلسفة مليء بمثل هذه النماذج من الدعوة إلى مثل هذه الأخلاق المهنية وخاصة فى تراثنا العربى الاسلامى فهناك رسائل للرازى فى أخلاقيات الطب والبحث العلمى وهناك رسائل للامام العزالى والقابسى فى أخلاقيات التعليم والتعلم . أما فى عصرنا الحاضر فالأمثلة يفوقها الحصر لدرجة أن أصبح لكل مهنة ميثاقها الأخلاقى الخاص بها ، بل أصبح ثمة تقليد فى كثير من الأعمال والمهن أن يتذكر العاملون كل صباح قيم مهنتهم ويتعاهدوا على الاخلاص فى عملهم . ومع ذلك أرى على الجانب الآخر غياب الضمير الأخلاقى وانعدام الاخلاص والجودة فى الكثير من أعمالنا.

 أيها السادة لقد غاب ضميرنا الأخلاقى فلم نعد نراعى الله  ولا الضمير الأخلاقى فى أعمالنا والأصل أن « كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته « . والله أسأل أن نعود على الأقل إلى قيمنا الأصيلة وأولها قيمة اتقان العمل والاخلاص فيه  فنحن أبناء أول الحضارات الانسانية التى علمت العالم كل قيم التقدم والبناء الحضارى السليم .