رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

منذ قرن تقريبًا كان لعميد الأدب العربى فضل تنبيه المصريين بأن هذا البلد الذى تعود بداياته لأكثر من خمسة آلاف عام لن يقوم وينهض بدون تعليم حديث يعتمد على مناهج معاصرة فى البحث والتفكير، وليس على مناهج بليدة فى فنون التلقين الذى هو عدو التفكير وقاتلة..

وبعد أكثر من تسعة عقود على صرخة الدكتور طه حسين لإيقاظ العقل المصرى الخامل أنشئت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بالقانون رقم (82) لسنة 2006 برئاسة الجمهورية. هذه الهيئة هى المسئولة بحكم قانون ولوائح تأسيسها عن وضع معايير الجودة لكل مؤسسات التعليم فى مصر– الجامعى وما قبل الجامعى وعام وخاص وأزهرى– ومن يدرس ويتأمل هذه المعايير فى قانون التأسيس وحتى يومنا هذا لن يجد فارقًا بينها والمماثلة لها فى أعرق الدول وأكثرها تقدمًا.. المشكلة إذن ليست فى الهيئة القومية لجودة التعليم، التى بطبيعة عملها تتواصل مع كل مديريات التعليم فى مصر ومع المجلس الأعلى للجامعات من خلال فرق فنية على مستوى رفيع من التأهيل..

المشكلة الحقيقية فى مؤسسات التعليم نفسها خاصة ما قبل الجامعى التى للأسف الشديد تخلط كثيرًا بين مفهوم الجودة وثقافة الفهلوة.. ومن متابعتى كأى مواطن مصرى للطريقة التى تدار بها العملية التعليمية من خلال وزارة التربية والتعليم سابقًا– مضاف إليها والتعليم الفنى حاليًا– أدرك أن كل من تولى أمر هذه الوزارة على الأقل من مطلع سبعينيات القرن الماضى حتى اليوم ينصرف للاهتمام باستكمال الشكل التنظيمى للعمل دون أى فلسفة حقيقية تستهدف تجديد العقل الجمعى للدارسين من فصول الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية، وأعتقد أن الأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للتعليم الجامعى.. خلال الخمسين عامًا الماضية ما كان للفكر المتطرف والانجذاب العام للماضى بغض النظر عن صلاحية مضامينه مع المستقبل، أن يحدث لو أن التعليم فى مصر سعى نحو رسالة واضحة وهى الارتقاء بالعقل من خلال احترام الفكر العلمى وحتمية الاعتماد على أدواته ووسائله.. لو أخذ بنصف ما تضعه هيئة جودة التعليم فى مصر من برامج أكاديمية لمؤسسات التعليم العالى، ومن معايير جودة للتعليم ما قبل الجامعى لتغيرت مصر ونهضت ونافست وجوديًا بقوة العلم وليس بخرافة الفهلوة.

من عام 1970 تعاقب على وزارة التربية والتعليم 14 وزيرًا عاصروا 15 حكومة، واللافت أن الخط البيانى لمستوى التعليم ومخرجاته فى هبوط حتى وصلنا إلى مرحلة هجر فيها الطلبة مدارسهم، وتحولت الدروس الخصوصية إلى وزارة بلا وزير.. تركنا الملايين من شبابنا لنوعية من أخطر التجار، وهم تجار التعليم.. ومما يدعو للعجب والأسى أن وزيرًا مثل الدكتور طارق شوقى لم يكتف بالانشغال بكارثة التعليم العام فأضاف لوزارته التعليم الفنى وهيئة جودة خاصة بهذا التعليم الفنى المهدر دمه بين قبائل هذه الوزارة.. ولعل أكبر الكوارث أن تترك وزارة مثل التربية والتعليم لاجتهادات وقناعات الوزير القائم عليها دون أن تكون هناك سياسة دولة وخطط حكومة تقول بوضوح «ماذا نريد من التعليم» خاصة فى عصر حقق فيه الإنسان بسلاح العلم فى قرن واحد ما لم تحققه البشرية فى عشرات القرون الغابرة..

ومما يدعو للأسى أن هيئة مثل جودة التعليم مفترض أن تكون القاطرة الأولى فى منظومة التعليم ككل، لكن الواقع يظهر غير ذلك.. هل يعلم ويستوعب الكثير من الوزراء الـ14 الذى تولوا مسئولية التعليم فى مصر خلال الخمسين سنة الأخيرة المعنى الخطير والرائع لقول الدكتور طه حسين فى مؤلفه التاريخى: «إن علينا أن نختار بين أن تكون المدرسة مصنعًا تعمل به آلات لتصنع آلات مثلها، وبين أن تكون المدرسة دارًا تتفتح فيها عقول التلاميذ وقلوبهم لإدراك الطبيعة وفهمها»..

متى تفيق مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام فى مصر إلى أن استمرار وجود هذا البلد قادرًا على الحياة مرهون بجودة التعليم وعصريته وانضباطه، وأن الانشغال بهذه القضية لا يجب أن يكون فى العربة الأخيرة من قطار اهتماماتنا، بعد أن امتلأت باقى عربات القطار بأكوام من البضاعة التافهة.