رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

 

ما أستطيع أن أخمنه أننا فى الموت نمر بثلاث مراحل، الأولى ننتقل فيها من الحياة الدنيا إلى عالم آخر، ما هو؟، الله أعلم، ملائكة الموت هم الذين ينقلوننا، وأظن أننا نكون على وعى بهذه الخطوة، نعلم اننا نفارق أجسادنا وننتقل من الحياة الدنيا إلى عالم آخر، المرحلة الثانية التى نمر بها فى الموت هى العالم الآخر الذى ننتقل إليه، ومنه إما ننتقل إلى المرحلة الثالثة: عالم الموت أو الغيبوبة الكبرى حتى قيام الساعة، أو نظل فى المرحلة الثانية أحياء إذا كنا شهداء،

عندما يخطف الموت عزيزا، نجلس ونروى اللحظات الأخيرة من حياته: «كان بيلعب وزى الفل، بعد شوية قال لي: يا ماما أنا دايخ، جسيته: حاسس بوجع؟، مافيش دقيقة رجع اللى فى بطنه كله وارتعش، قلبى وقع فى رجليه، أخذته فى حضنى وغطيته، تقولى نار، رعشة وسخونة، جريت أصرخ يسعفونا بدكتور، على ما ألتفت رجعت لقيته فاقد النطق ولوح تلج، قالوا لى بعدها: مات».

وكلما جاءوا للعزاء تتكرر نفس الحكاية مع بعض الإضافات الخاصة بذكر الصفات والأخلاق، وكأن هذه الرواية هى الخيط الذى نجتر به صورته من الذاكرة، حتى فى وسائل الإعلام نشاهد ونقرأ آخر حوار أجراه قبل ساعات من موته، بعضنا يعتقد أن هذه اللحظات يكشف فيها للذى سيرحل بعض الغطاء، يرى بعضا مما لم يكن يراه، وبعضنا يعتقد أن هذه اللحظات هى لحظات الحكمة والشفافية

أبى عندما مات لم يقل شيئا، دخل الغيبوبة لمدة خمسة أيام، أبلغونا بعدها بموته، حكى أحد أصدقائه، وكان آخر من زاره فى حجرته بالمستشفى، أنه (أبى) قال له: أشعر اليوم أن كل الأمراض خرجت من جسمي، ثم انكفأ على السرير، حضر الطبيب: نزيف فى المخ، ونقل إلى غرفة الإنعاش، أمى نفس الشيء ماتت دون أن تقول ما نسجله أو ننسجه فى رواية ما قبل الموت، أصيبت لسنوات بالزهايمر، وكانت شقيقتى تطحن الطعام فى الخلاط وتسقيها إياه، فى موعد الطعام جاءت ترفعها اكتشفت أنها لوح تلج، طلبت الطبيب، أخطرونى بأنها مريضة، فى الطريق كنت أجتر بعضا من صورها المخزونة فى ذاكرتى، حكاياتها ورائحة طبخها وخبزها وأبكى، يقولون إن الصور تبهت بعد موت صاحبها، والحكايات تتوه تفاصيلها، والذكريات تختزل فى عدة كلمات، حتى طعم الموت تخف مرارته مع الأيام، ورائحته تتجدد عندما نشيع احدنا، رحم الله أطفالنا فى منفلوط.

 

[email protected]