رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

بحكم أن أمريكا هى سيدة العالم بقوتها العسكرية والاقتصادية والعلمية فإن سكان الكون منشغلون دومًا بمن هو سيد البيت الأبيض لأنه تقريبًا سيسكن معهم فى بيوتهم ويشاركهم معاشهم وينكد عليهم وقت يشاء. دونالد ترامب الرئيس السابق هو الأسوأ فى تاريخ الرؤساء الأمريكيين باحتقاره الحلم الأمريكى الذى ظل لعقود حلم الإنسانية فى العالم.. حلم التنوع والحريات وجرأة الإبداع الفردى وتكافؤ الفرص وهوليوود، وجسارة أن تغامر من أجل مستقبل أفضل.. ترامب هو هتلر بدون بدلة عسكرية ونياشين تزينها.. ترامب هو رئيس حقبة الأوبئة والفحش السياسى ونكسات البيئة، وإخراج العنصرية من قبورها لتعود تقتل السود فى بلد البيت الأبيض بدم بارد، وتغتصب ما تبقى من فلسطين، وتحتقر كل الأغيار.

هذا الرجل هو من أسس إسرائيل جديده وقربها من حلم الخط الأزرق على علم الكيان الصهيونى الذى يشير إلى دولة بلا حدود لأن حدودها تقف عند آخر موقع لدبابة أو آخر هدف لصاروخ. حقبة ترامب ليست أكثر من سنوات خوف وانهيار مفجع للقيم الإنسانية وتشجيع قبيح على ممارسة القمع والاستبداد فى الكثير من دول العالم، التى اعتبر ترامب أنظمتها مجرد «عساكر» فوق قطعة شطرنج أمريكية. هذا الرجل المتطرف أرهق البشرية ووضعها عند حافة الهاوية، وألهب مفاصل العالم بعقلية يمينى متعصب أكثر فاشية ممن كانوا رموزًا لها فى عصور الحروب الكونية، وها هو يغادر البيت الأبيض وقد غرس بذورًا سامة لحروب جديدة وحالة من الفوضى داخل وخارج أمريكا، التى قد تنتهى بعودة مؤلمة لحروب باردة، وربما ساخنة بين الغرب الأمريكى الأوروبى، والشرق المتعدد الأقطاب «روسيا والصين والهند وباكستان وإيران».

عالم ما بعد ترامب مأزوم اقتصاديًا وسياسيًا ونفسيًا، ومن السذاجة أن يفصل البعض هذه الأمور عن حياة الناس فى بيوتهم وأعمالهم وقراهم ومدنهم.. ربما كثير من الأزمات والمشكلات كانت سابقة على حقبة ترامب، لكن هذا المهووس الذى شرع للقتل والعنصرية وابتزاز الشعوب مارس السياسة بعقلية عائلات الإجرام فى أمريكا خلال عقود التأسيس الأولى، وعلى ما يبدو أن أمريكا الحلم فى القرن العشرين كانت تعبيرًا عن الشعور بالذنب حيال كوابيس قصص الدماء والنهب المروعة التى ارتكبها الأمريكيون الأوائل خلال القرن التاسع عشر تحديدًا ثم أعادها ترامب فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين..

عالم ما بعد ترامب سيمشى فوق خطوط النار والفقر والمصير المرعب للبيئة.. لن يكون هناك وقت للفكر الاستراتيجى المتأنى وسوف تسيطر فقط غريزة الأرقام والشاشات على كل شىء.. سيتحول الإنسان إلى مجموعة أسلاك ودوائر كهربائية تنقل إشارات الحرب وتصعق إشارات الحب.. حتى السيارات ستصبح بلا قلب، ستسود السيارات الكهربائية التى تعمل بلا موتور وإنما ببطاريات وأسلاك، وستكون من داخلها أشبه بغرف باردة عديمة المشاعر.. ربما يحلو للبعض التساؤل التقليدى: وأين نحن فى مصر من كل هذا الممكن والمحتمل؟ الحقيقة المؤكدة أن مستقبل المنطقة العربية تحديدًا قد رهنه ترامب قبل رحيله فى صالة قمار إسرائيلية، والمتابع والقارئ لحركة الخرائط السياسية سيرى دون عناء أننا كعرب أصبحنا أقل كثيرًا من مفهوم الأمة وإذا كان هناك من مصير مشترك تغنينا به عقودًا– فإنه ذلك المصير الذى آلت إليه الأمور اليوم.. مصير الاستضعاف والتهافت والانكفاء وكراهية التاريخ لمجرد أنه يذكرنا بإحباطاتنا وانكساراتنا وجرائمنا فى حق أنفسنا.

ترامب لم يكن أكثر من تاجر «عبيد» وبعد أن أقصاه خليفته- التاجر الجديد- فأمام من كانوا بحوزة التاجر القديم وتجارته أحد أمرين: إما أن ينتظروا كفالة التاجر الجديد ويأملون وهم عطفه عليهم، وإما أن يفيقوا ويدركوا أن الحرية أعظم فضائل الله على خلقه، وأن المستقبل ينتظر منا أن نذهب إليه فوق خيول العقل والعلم، لا الخرافة ووهم شراء الحماية ممن لا ينصر قادرة على الإفلات من مصائر الخوف إلى فضاءات جديدة أن امتلكنا جسارة عبور جديد فوق جسور العلم والحرية والعدالة.. والله المستعان