رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

كلما كثر الحديث عن المعجزات فى أمة من الأمم فهذا يعطى مؤشرًا قويًا لتراجع هذه الأمة وتدهور أحوالها.. الأمم الفاشلة فقط هى التى لاتكف عن البحث عن معجزات وأساطير تستر بها عورات عجزها، وتجابه بها خيباتها.. والأخطر من كل ذلك أن المعجزة فى عصرنا الراهن هى نقيض العلم الذى هو توأم العقل.. فى كتاب «التربية الدينية الإسلامية – للصف الثانى الابتدائى – الفصل الدراسى الأول» درس عنوانه (معجزات صاحبت مولد الرسول، صلى الله عليه وسلم) ونص ما تم التقديم به للمعجزات جاء كالآتى: صاحبت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأحداث الغريبة التى هى بمثابة المعجزات، سأحدثكم اليوم عن بعضها). وما تم ذكره من معجزات بالدرس ثلاث وهى بالترتيب حسب وضعها داخل مربعات ملونة–المعجزة الأولى نصًا: لحظة مولده صلى الله عليه وسلم رأت أمه نورًا يملأ حجرتها وامتد فأضيئت منه قصور الشام–المعجزة الثانية نصا: انهارت الأصنام التى نصبها المشركون بالكعبة وحولها وسقطت منكبة على وجوهها– المعجزة الثالثة: انطفأت النار التى كان المجوس يعبدونها فى بلاد فارس.

إلى هنا انتهى سرد المعجزات لأطفال دون العاشرة فى حصة، ربما مدتها لا تزيد على نصف ساعة، ولكن الذى لن ينتهى أو يزول هو أثر ثقافة المعجزات فى التكوين النفسى والعقلى للأطفال جيلاً بعد جيل وقرنا بعد قرن وتاريخا بعد تاريخ.. والسؤال الطبيعى أوجهه للسيد وزير التعليم الدكتور طارق شوقى: هل هذه هى الثقافة التى تعد بها أجيال دون العاشرة ليكونوا على مستوى تنافسية عصر العلم والابتكار بعد عشر سنوات، وهم طلبة وطالبات بالجامعات بكل تخصصاتها؟ هل معاليكم مطمئن إلى أن التفكير العلمى لا يتعارض وثقافة المعجزات؟ والأهم من ذلك يا معالى الوزير – أليس فى سيرة النبى العظيمة دروس واقعية رائعة يمكن تبسيطها وتقديمها للأطفال خاصة تلك التى تعمق قيم التسامح والمساواة وحب المعرفة؟.

ربما يرى البعض أن أمرًا كهذا لا يستحق عناء الجدل والكتابة، وأقول لمن يرى ذلك أن طريقنا للتقدم مغلق من أكثر من ألف عام لأنه مسدود بالمعجزات، وعندما يسود هذا اللون من الأفكار فإنه يحول البشرى إلى مقدس ليجعله فى قوة المعجزة التى تعجز من يقفون أمامها أو خلفها عن التفكير العقلى فى أصلها وحقيقتها.. وبتعاقب الأزمان تدمن هذه الشعوب والأمم التشوق دوما للمعجزة خاصة فى حكامهم على مر العصور عندما يخلعون عليهم من الصفات الاسطورية ما يجعلهم فى منزلة بين السماء والأرض أو بين الأنبياء والأولياء.

كيف تسنى لمؤلفى كتاب كهذا أن يستخدموا تعبير «أحداث غريبة» وألحقوا التعبير بالقول «بمثابة المعجزات» التى حدثت مصاحبة لمولد رسولنا الكريم.. وإذا كانت المعجزات تعنى ما يحدث من أمور تتجاوز قوانين الطبيعة وما تعارف عليه الناس – فهل من المناسب فى عصر العلم والذكاء الاصطناعى وهبوط الانسان بمركبات الفضاء فوق الكواكب، عصر الانترنت وفيضان العلوم والمعارف – هل معقول أن نربى أطفال اليوم على ثقافة المعجزات.. يا معالى وزير التعليم – صدقنى أنا مع تدريس التربية الدينية فى كل مراحل التعليم، شرط أن يقوم على كتابة هذه المناهج فريق من رجال الدين والفكر والعلوم والاجتماع والفن والثقافة لاستخلاص أعظم وأنبل القيم الدينية والتربوية فى حياة الأنبياء والرسل بما لا يتعارض مع العقل لأننا نتناول شأنًا بشريًا، وكل ما هو بشرى يجب أن نحافظ عليه خارج دائرة التقديس.

من الهزل، ومن الهزل جدًا أن لا نراجع كثيرًا من الأفكار التى استرحنا لتصديقها دون بحث وتفكير ونقد.. استمرار هذا النوع من التفكير يدفع بالمجتمعات رُغم تنوعها الطبقى إلى حالة واحدة من الاستسلام والتسليم بغير المعلوم من الدين بالضرورة.. وأخيرًا يا معالى الوزير لا تلقوا بالطفولة البريئة فى مواقد الحيرة والتناقضات ثم تتهمونهم فى شبابهم بالتطرف والميل للعزلة والاكتئاب وعدم الانتماء، والعجز عن التواصل الحر مع العصر.. إنه يا سيدى درس صغير لأطفال صغار، ولكن تكراره حوله إلى جبال تحجب شموس الحقيقة من خمسة عشر قرنا..