الدود ينتظرنا ليقيم وليمته

شقيقتى الصغرى اتصلت بى ذات مساء، وعرضت على المشاركة فى مقبرة، زوجها يفكر فى شراء واحدة، قبلت العرض، ربما دخلت شقيقتى الأكبر معنا فى المقبرة، فهى سبق واخبرتنى انها تفكر فى الإقامة بشقتها فى القاهرة بعد ان تتخرج ابنتها في كلية الطب، فقد ملت من مدينة المحلة، وتحدثنا منذ فترة عن المقابر، واتفقنا على شراء مقبرة عندما يتسير الحال معى.

لضيق الحال كنت قد قررت أن أدفن فى مقبرة العائلة بمدينة طنطا، جد جد والدى ترك مقبرة صغيرة فى قرية قحافة، فتحتها مرتفعة عن الأرض، لها باب حديدى عليه قفل صدئ، يقال إنها بعين واحدة، دفنوا فيها العشرات ممن ماتوا فى العائلة، آخر مرة زرتها منذ شهور عندما شيعنا جثمان شقيقى الأصغر، ومن قبله بعدة سنوات دفنا بها شقيقى الأصغر منى، ومن قبلهما بسنوات طويلة دفنا بها جثمان والدى، ومن بعده عمى السيد.

عندما توفيت والدتى تعثر دفنها فى مقابر العائلة مع والدى، وقمنا بدفنها فى مقبرة عمتى، فقد اشترت لنفسها مقبرة، وعند وفاتها أوصت بأن تدفن مع والدها وأمها واخوتها، كان أحد أقاربنا قد دفن فى مقبرة العائلة قبل أيام، واستحال مع موت والدتى فتح المقبرة.

ابنى وابنتى وزوجتى رفضوا فكرة الدفن فى مقبرة العائلة، واختاروا مقبرة عائلتها، فهى جديدة ولم يدفن بها سوى والدتها، كبيرة وتتكون من ثلاث عيون، واحدة للرجال، وأخرى للنساء، وثالثة للعظم، ما الفرق بين أن تدفن فى قحافة أو على طريق القطامية.

شقيقتى الصغرى ذكرت خلال المكالمة أنها قرأت بعض الإعلانات عن مقابر فى طريق الواحات، وحكت لى عن مساحات وتشطيب فاخر، أعتقد أنها ذكرت أن واجهتها بالطوب الفرعونى أو الهاشمى، ولها فناء واسع من الرخام، وكهرباء ومياه، وعلى شارع مرصوف. ضحكت بمرارة عندما ذكرت السعر، لم أصدق ما سمعته:

ــ خمسمائة ألف جنيه.

ــ كم؟

ــ نص مليون

حكيت لصديق ضليع فى أسعار الشقق والمقابر، ضحك وقال لى: وغلاوتك فيه مقابر بـ 700 و800 ألف جنيه، وفيه أغلى من كدا كمان، فيه مقابر مثل القصور، على ناصية، وبها غرف للرجال وأخرى للنساء، تشطيب فاخر، رخام وطوب حرارى وفرعونى.

ملت على ابنى وقلت له: «عندما يسترد الله وديعته، اختر الأرخص فى التكلفة، ادفنى فى مقبرة العائلة أو فى مقبرة عائلة والدتك، والعزاء على المقابر، وإذا تعثرت عملية الدفن بإحداهما، اختر اقرب مقبرة صدقة وادفنى بها، الميت لن يهتم كثيرا إن كانت المقبرة تمليكا أو ايجارا، ولن ينشغل بمساحتها ولا بنوعية تشطيبها، الدود ينتظره ليقيم وليمته».

‏[email protected]