رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الإصرار على الترويج لفكرة أن مصر موضع مؤامرات خارجية من دول وتنظيمات معادية سيصيب المصريين على المدى المنظور بنوع من اللامبالاة، وليس التنبه الذكى كما يعتقد المروجون لنظرية التخويف.. لا توجد دولة فى العالم بلا خصوم من داخلها وخارجها، ولكن هذه التحديات ووفق نظرية أرنولد توينبى «التحدى والاستجابة» من المفترض أن تكون طاقة ايجابية لشحذ الهمم على العمل والانتاج باعتبار قوة الدولة اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا هى حائط الصد الكبير أمام أى نوع من المخاطر.

مصر ما بين 1955 و1967 كانت فى حرب حقيقية مفتوحة أمام الكثير من القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفى ذيل هذه القوى إسرائيل، ومع كل تحديات هذه الحقبة حدث أكبر تحول اقتصادى واجتماعى وثقافى فى تاريخ مصر الحديث. نكسة 1967 وقعت بفعل تراكم عداء خارجى سافر ومخطط له، وعوار كبير فى تركيبة السلطة السياسية وطبيعة العلاقات بين رموزها خاصة ما بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر قائد الجيش آنذاك.

ولأن مصر الاقتصاد والمجتمع والقوى الناعمة والمشروع الكبير كانت ومازالت بخير آنذاك، لم تكسر النكسة على بشاعتها ظهر مصر، وبعد أسابيع قليلة بدأت ارادة مصر على الصمود والتحدى تعبر عن نفسها بإغراق المدمرة الاسرائيلية ايلات فى عملية جسورة كانت أقوى تعبير لإسرائيل وحلفائها على أن هذا البلد لن يركع.

وربما تجلت فعليا قدرة المصريين على المواجهة فى لحظتين نادرتين – الأولى رفض الملايين لتنحى عبد الناصر عن السلطة يوم 9 يونيو 1967، واللحظة الثانية المشهد التاريخى لتوديع ملايين المصريين لجمال عبد الناصر فى جنازة هى الأكبر تاريخيا فى العالم.. التخويف من المعلوم بالضرورة لغرض الانكفاء هو صناعة وطنية للجبن والاستكانة، وموت معنوى لكل الطاقات الجبارة الكامنة داخل شعب ما. أما التثقيف والتنبيه والتوعية والحلم المشترك فإن ذلك كله لو تم بذكاء وكرامة وصدق فإنه يصنع معجزات على الأرض ويستكشف داخل المجتمع مواضع قوة لم تكن تخطر ببال أحد.

التهديد الحقيقى لمصر الآن هو انعدام القيمة وتلاشى القدوة وانتحار المعانى الجميلة.. الظروف السائدة أزاحت النخب وسطحت الأفكار وصادرت البهجة وقطعت ألسنة العصافير لأن زقزقتها تصيب الأسود بالصداع، رغم أنها لا تعدو كونها زقزقة تضيف للطبيعة الخيرة ولا تنال منها.. ليس من المنطق إطلاقا أن نقتل أى رسول لمجرد اختلافنا مع رسالته التى يدعو لها ليقبلها أو يرفضها من يشاء.

الأصوات المعارضة أو المزقزقة من المفيد جدًا للدولة المصرية ولأى دولة فى العالم أن تتركها تأخذ مكانها فى الفضاء العام ما دام صوتها لا يحمل دعاوى للتخريب والعنف المادى المسلح.. وفى زماننا هذا لو بعث رسول يحمل السلاح أو يحرض على حمله سنقاومه ونرفضه مهما كانت حجج وحيه.

الصين ليس بلدًا ديمقراطيًا ولكن به عملية سياسية جبارة وبرلمانًا حقيقيً وحزبًا وحيدًا فى صلب التحول الكبير وليس مجرد ديكور تختار السلطة ألوانه وشخوصه.. صحف عصر عبد الناصر «غير الديمقراطى» كان يكتب بها مثقفون من أقصى اليسار الشيوعى إلى أقصى اليمين الرأسمالى، وبينهما كل ألوان الطيف الثقافى والسياسى.. البعض دفع ثمن رأيه اعتقالا وسجنا، وخرج يكمل سطور مقالته أو قصته وبإيمان شديد بالتجربة السياسية القائمة رغم ما شابها من سقطات وإشكاليات كثيرة.. فى اعتقادى أن الرئيس السيسى بحاجة إلى مجلس أمن قومى ثقافى يخطط ويعمل على استعادة الروح المفقودة.. استعادة الوعى.. إنقاذ المعنى من الموت تحت جنازير بلدوزورات التسطيح.. أحيانا أشفق على الرئيس عندما أجده مضطرا أن يتحدث فى أمور كان يمكن الاستغناء عن التحدث بشأنها لو فى مصر مؤسسات يعرف القائمون عليها حقيقة مسئولياتهم.. لو فى مصر مسرح وسينما وكتّاب ومجال مفتوح للنقاش ونقابات حقيقية ومحليات منتخبة، وتعليم يحمل رسالة من أجل وطن وليس تابلت حولّه البعض لصنم يعبد.. ما يهدد مصر أننا جميعا لسنا فى المكان الصحيح وبالتالى فإن زاوية الرؤية ستظل مشدودة نحو الاتجاه الخطأ.