نحو المستقبل
يشهد شهر سبتمبر يوما عظيما فى تاريخ مصر وهو يوم التاسع من سبتمبر ، ذلك اليوم المشهود الذى صدر فيه قانون الاصلاح الزراعى الذى حدد الملكيات الزراعيه وأعاد ملكية أرض المصريين إليهم وأعاد توزيعها ليمتلكها صاحب الحق الأصيل فى ملكيتها وهو الفلاح المصرى الذى طالما عانى الظلم والعنت من قبل المستعمرين الذين توالوا عليها منذ الاستعمار الرومانى حتى الاستعمار التركى ، وكم كانت عبارة « فلاح خرسيس « تلهب ظهره وتوجعه من باشوات الأتراك وتابعيهم من العمد ومشايخ القرى إلى أن جاءت ثورة 23 يوليو المجيدة وحررته من هذا الظلم وأعادت اليه الحق فى أن يمتلك بضعة فدادين من أرض بلده ليفلحها ويزرعها وحاولت بقدر المستطاع تحسين أحواله ليرفع رأسه بين المصريين ويقول هأنذا ابن مصر وزارع أرضها ومنتج خيراتها !
لقد كان هذا القانون الذى كان من أوائل انجازات الثورة بشرة الخير لكل مصرى بأنه حان الوقت ليشعر بأن بلده عادت إليه بعد طول عناء وأنه بامكانه أن يشعر بانتمائه الحقيقى لهذه الأرض الطيبة التى طالما احتلها المحتلون واستولوا على خيراتها ونهبوا ثرواتها ، لقد عادت مصر للمصريين بعودة أرضها إلى فلاحيها وكم كانت الاحتفالات بعيد الفلاح طوال عصر عبد الناصر والحكومات المتعاقبة تعيد إلى الأذهان أمجاد الثورة وانجازات فلاحيها وكم كان الفلاح المصرى يعتز بأرضه ويعتبر كل شبر فيها جزءا من غرضه الذى يهب للدفاع عنه بحياته وكم كان منتميا لها رافضا أى اغراءات لبيعها أوتركها لأى سبب كان !!
ولما تغير الحال وأهمل الفلاح والفلاحة وأهملت الحكومات السابقة والحالية الاحتفاء بالفلاح والفلاحة وتركوه فريسة للموظفين المحليين مهملين ناتج جهده عابثين فى وجهه غير مثمنين انتاجه الزراعى ويشترونه بثمن بخث لايسمن ولايغنى من جوع ، ولما أهملوا الاحتفال به ومعه بعيده كما يحتفلون بكل من هب ودب وبأى صنعة كانت فنا أو أدبا أو رياضه . الخ أهمل هو كذلك الأرض وفضل أن يحولها من جنان خضراء إلى صحراء قاحله يبيع طينها وترابها قبل أن يحولها إلى أرض بور لاتصلح إلا للبناء عليها . لقد أصبح هذا هو البديل لكى يستطيع العيش بعد أن وجد أن بضاعته الزراعيه لم تعد تكفيه وتكفى حاجات أولاده !! لقد فضل الفلاح المصرى عزيز النفس قوى الاراده أن يتنازل – رغم أنفه – عن كل ذلك ويهجر الريف والقرية حاملا فأسه ويذهب إلى المدينه ليتلمس رزقه هناك فى المدينة» النداهه» !!
إن عيد الفلاح فى اعتقادى ينبغى أن يصبح يوم عطلة رسمية يحتفل به كل مصرى بأن يعود فى هذا اليوم إلى أصله ، إلى قريته التى ولد فيها أو التى ولد فيها والده وأجداده ، إنه اليوم الذى ينبغى أن نرى فيه الفلاح المصرى فى أزهى ملابسه سعيدا بانجازه وتكريم الدولة له ولعطائه . إننى أتطلع إلى عيد الفلاح القادم فى 9 سبتمبر القادم وأحلم بأن أرى هذا اليوم يوم عيد حقيقى تحتفل فيه الدولة المصرية كلها وتكرم فيه فلاحيها بجائزة التميز فى انتاج المحاصيل الزراعية فهذا حاصل على حائزة أعلى انتاجيه لفدان القطن وذاك حاصل على جائزة أعلى انتاجيه لفدان القمح .. وهكذا . ويحصلون على هذه الجوائز من رئيس الدولة شخصيًا ..
إننى أتطلع لأرى الفلاح المصرى يحتفى به فى عيده كما نحتفى بالعمال فى عيدهم وبالعلماء فى عيدهم ، يستمع رئيس الدولة إلى نقيبهم وتوضع كل مشكلاتهم موضع الحل أمام أعين كل المصريين ليعود إلى الفلاح كرامته واعتباره، ويحس أن ارتباطه بالأرض وحفاظه عليها موضع عزه وفخاره وليس علامة فقره وقهره . هنا ستجد كل فلاحى مصر يهجرون المدن الكالحة المليئة بالتلوث المناخى والسمعى والبصرى ويعودون إلى أرضهم ويعيدون اصلاحها وزراعتها ويضيفون إليها بدلا من أن يقتطعوا منها . هنا ستعود إلى مهنة الزراعه قدسيتها وريادتها ويتسابق الطلاب مرة أخرى إلى دراسة الزراعة فى المدارس والجامعات فخورين بأنهم أبناء الأرض وملاكها وزارعيها . هنا لن تجد فلاحا يهجر أرضه أو يفرط فى شبر منها !! هنا ستفخر مصر مرة أحرى بأنها أرض الخير والبركه وبأن فلاحها هو أعظم أبنائها وبأنه مصدر فخرها و عزها واسقلالها . فهل لازلت أتطلع بذلك إلى مستحيل أم آن أوان تحقيق الحلم بأن نحتفل كلنا بعيد الفلاح وبانجازه كما ينبغى لعظمته واخلاصه وصبره .