هَذَا رَأْيِي
رامى شحاته ابن الثلاثة عشر عاما طالب مصرى فى المرحلة الإعدادية يقيم مع اسرته فى إيطاليا كان مع زملائه وعدد من مشرفى المدرسة فى حافلة تابعة للمدرسة التى يدرس فيها وحاول سائق الحافلة أن يخطفهم كرهائن للإقدام على تنفيذ عملية إرهابية.. الطالب المصرى استطاع أن يُعمل عقله وغافل السائق واتصل بالنجدة بعد أن أخفى تليفونه وادعى تركه فى المدرسة كما اتصل بوالده وبفضل هذا الاتصال تمكنت النجدة أن تنقذ التلاميذ البالغ عددهم ٥٠ تلميذا و٣ مشرفين.
هذه البطولة قادت التلميذ المصرى إلى تكريم خاص من الحكومة الإيطالية والبرلمان وكان ضمن مما قُدم لرامى هو أغلى شىء يحلم به مغترب فى بلاد الغربة وهو الحصول على جنسية الدولة التى يقيم فيها.. تحقق لرامى هذا الحلم رغم عدم انطباق شروط الجنسية عليه لصغر سنه، فطبقا للقوانين الإيطالية يلزم أن يكون طالب الجنسية لا يقل عمره عن ١٨ عامًا.
فهل خالفت الحكومة الايطالية القوانين؟ وهل تجاوز البرلمان الذى وافق على منح الجنسية القانون؟..الجواب لا..لأن الجميع تعامل مع حالة رامى بروح القانون وليس بنصوصه.
نص القانون يعنى تطبيق القانون تطبيقًا حرفيًا دون أى تنازل ولو كان طفيفًا، روح القانون تنازل جزئى ومؤقت عن تطبيق النص لدوافع إنسانية صرفة ومراعاة لظروف متعددة وبما لايؤثر على سير الحياة العملية، عدالة التطبيق هى روح القانون حينما يكون ناتج التطبيق ضررًا يصعب تداركه حال تطبيق النص.
فأعظم من طبق روح التشريع والقانون هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما أتت امرأة معترفة على نفسها بارتكابها فاحشة الزنا، فقد أجل رسولنا الكريم تنفيذ عقوبة المرأة الزانية لوجود جانب إنسانى ومصلحة أولى بالرعاية من التنفيذ فى الوقت الذى أذنبت فيه تلك المرأة، ولم تكن مجرد مشتبه فيها بل كان الحد ثابتًا باعترافها، فامرها أن ترجع حتى تضع جنينها، وحينما عادت بعد الوضع أمرها أن ترجع حتى تتم رضاعة طفلها وكان يأمل ألا تعود لأن معنى القانون قد تحقق بانكسارها وتوبتها، ولأن العقوبة تتعلق بأسرتها ومعانى العدالة تقتضى النظر إلى كل هذه المؤثرات.. الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما أوقف عقوبة السرقة المقررة فى عام الرمادة أو ما يطلق عليه عام المجاعة لاحتمال أن يكون السارق فى حاجة ماسة لما أقدم عليه، ولكن تم إهمال نص التجريم لقيام معنى أقوى، وهو الحفاظ على النفس.
ما أُريد أن اصل اليه من هذا السرد ليس إعطاء محاضرة أو دروس لكننى أريد أن أشير إلى تطبيق قانون التصالح فى مخالفات المبانى..وأن استعمال روح القانون على ما مضى مطلب ضرورى يسمو فوق تطبيق نص القانون..فاستعمال روح القانون يخفف الضرر عن وقائع كان الكل مشاركا فيها أفرادًا وحكومات فمن الذى سهل ارتكاب هذه الوقائع؟ ومن الذى تستر عليها وحماها ووصول لها المرافق؟.. إذن علينا أن نتعامل بروح القانون فى هذه الوقائع ونلتزم بتطبيق نص القانون فيما هو قادم وآت.
روح القانون تدل على الكمال الفقهي، والإدراك الحقيقى لمعانى تطبيق القانون، فروح القانون هى التى تحرك معانى العدالة فى القانون والرحمة جانب من العدالة إذا توافرت مقتضياتها فتعاملوا بروح القانون فيما مضى وطبقوا نصوص القانون فيما هو آت، فتطبيق نصوص القانون لا يتناسب مع واقع الحال، فروح القانون هى التى تحرك معانى العدالة والرحمة فى القانون.. يرحمنا ويرحمكم الله.