رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

أنحاز للقانون دوما. أسانده، وأشجعه، وأراه طريقا ممهدا نحو تحقيق العدالة. أنا مع القانون أينما كان وكيفما كان. فى اعتقادى أنه لا تنمية حقيقية بعيدا عن دولة القانون. ولا تقدم اقتصاديا وتحسن اجتماعيا دون تشريعات قوية تطبق على الجميع بدون استثناءات.

وربما لكونى قانونيا، فقد كان مبدئى منذ الصغر أن أعرض أى أمر مُحير أتعرض له على القانون أولا. أستفتيه، وأطلب رأيه، وأنظر فيما يقول، لأنه فى رأيى أساس أى تنظيم، وبداية أى استقرار. القانون عندى أولا وثانيا وثالثا، وما يوافق القانون يوافقنى، وما يخالفه يخالفنى.

من هُنا، فإننى أتفهم حرص وجدية وإصرار القيادة السياسية على تطبيق قانون مخالفات البناء، بما يُعيد الاستقرار مرة أخرى لسوق مُتخم بالعشوائيات، ومزدحم بالمشاكل، ومزروع بالألغام.

فأقول دائما إن التنمية نهر من الخير، ضفتاه الدستور والقانون، فإن انهارت إحدى الضفتين تحول هذا النهر الدافق إلى مستنقعات وفوضى، فيتحول البناء إلى عشوائيات، والمبانى إلى أداة للقتل.. وهكذا.

فعلى مدى سنوات طويلة ارتكبت خطايا جمة فى حق الزراعة المصرية، وفى حق الاقتصاد الوطنى، وفى حق الأجيال القادمة، وخسرت مصر أراضى خصبة، وإنتاجا زراعيا، ومشاهد بديعة، وهواء نقيا، وعملة صعبة، نتيجة تآكل الرقعة الزراعية عاما بعد عام.

لم يكن البناء على الأراضى الزراعية مسموحا به، وتشريع خلف آخر وقرار بعد قرار، حاولت الحكومة على مدى عقود طويلة كبح جماح البناء غير المنظم، ووقف التعديات على الأراضى الزراعية لكن دون جدوى.

وفى ظل رخاوة كثير من الأجهزة الحكومية، فقد وضعت معظم تشريعات مواجهة تبوير الأراضى الزراعية فى الثلاجة، وحرصا من المسئولين، واحدا تلو الآخر على الشعبوية وإرضاء العامة وكسب أصحاب المصالح، فقد تم التهاون فى جرائم عديدة ارتكبت فى حق مصر باسم الإيواء أو تحت زعم توفير مساكن جديدة لغير القادرين.

وأصبح الواقع شديد العبثية فصرنا نقوم بتبوير الأراضى الزراعية الخصبة ونبنى عليها، ثُم ننفق المليارات لزراعة الصحراء.

وفى تصورى، فقد آن الأوان أن تصحح خطايا الماضى، وأن يُرد الاعتبار لمبدأ سيادة القانون، وأن تُحظر كافة أشكال العدوان على الأراضى الزراعية، أو حتى مخالفة قوانين البناء فى غير الأراضى الزراعية حظرا حقيقيا يحقق المصلحة العليا للبلاد.

إن الدولة إذ تقر أنها لن تتراجع عن تطبيق القانون بكل حزم وحسم مع الخارجين عليه، وتقف بالمرصاد لكل مَن خالف، فإنها فى الوقت ذاته توفر أكبر عدد من الوحدات السكنية لمحدودى ومتوسطى الدخول، فضلا عن توفير الإيواء لمنعدمى الدخول بصورة لائقة تراعى كرامة المصريين مثلما هو الحال مع الأحياء الجديدة البديلة للعشوائيات مثل مشروع الاسمرات أو غيره من المشروعات.

أقول بصدق إن الانسحاق أمام الشعوبية أو إرضاء أصحاب المصالح لم يعد مطروحا فى ظل قيادة واعية، تعلم أن المسئولية تجاه الله، ثم الشعب تُحتم فعل الصواب، مهما بلغت كلفته. لقد كان من السهل على الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يقبل باستثناء حالات المخالفات السابقة للبناء، تحت تصور أن القوانين لا تطبق بأثر رجعى، غير أن وعيه وفهم المشرع لكون مخالفات البناء السابقة مازالت تمثل ضررا آنيا ومستقبليا للجميع، يجعله يساوى بين المخالفة السابقة واللاحقة، ويُصر على التعامل بحسم مع كل مخالف للقانون.

إن إطلالة سريعة على التشريعات المنظمة للبناء فى مختلف دول العالم المتقدم، تكشف لنا بوضوح أن فكرة العشوائية التى كان عليها البناء فى مصر تقود الأوضاع إلى كوارث اقتصادية واجتماعية. وإذا كانت الدولة تشحذ كافة قواها وجهودها لمواجهة أزمة العشوائيات وحل المشكلات الاجتماعية الناتجة عنها، فإنها مطالبة فى الوقت نفسه بوقف تكون تلك العشوائيات، وهو ما يستلزم تشريعا جيدا، والأهم من ذلك يستلزم صرامة وصدقا حقيقيا فى تطبيقه.

وسلامٌ على الأمة المصرية.