رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

ربما.. نبهتنا مشكلة سد النهضة، على مأساويتها، إلى أهمية النظر بعين الاعتبار والاهتمام إلى منطقة عزيزة فى جنوب مصر، وفى شمال السودان، حيث عاشت جماعات من المصريين فيها، عند أول أرض يجرى فيها نهر النيل عندما يترك السودان ويدخل مصر.. وهى النوبة!

ونظرًا.. لأن هذه البقعة من الأرض بحكم موقعها الجغرافى بين جندلين فى النهر عند أسوان شمالًا ووادى حلفا جنوبًا، وكذلك امتدادها من السودان إلى مصر بنفس الاسم، أضفى عليها خصوصية فى اللهجة والعادات والتقاليد.. والثقافة بصفة عامة، فكان سكانها صورة معبرة عن مصر الإفريقية!

و«الجنية والشباك».. اسم قرية كانت فى النوبة، وكثيرًا ما أدهشنى هذا الاسم، وجعلنى على يقين أن أهل هذه القرية لا بد أن يكون جميعهم من الفنانين والأدباء.. وهناك قرى كثيرة كانت فى النوبة أسماؤها جميلة، وبالفعل خرجت منها أسماء كبيرة من الروائيين وكتّاب القصة القصيرة.. وكان رائدهم الأول «محمد خليل قاسم» صاحب أول رواية عن النوبة (الشمندورة)، والتى فتحت الطريق للعديد من الأسماء المتميزة فى الأدب النوبى، رغم اعتراض الكثير منهم على مسمى «الأدب النوبي»، ويحلو لهم القول إنه أدب عن النوبة، باعتبار أنه لا يوجد أدب سيناوى أو قاهرى، أو سواحلى.. وعلى كل حال ظهر جيل من الأدباء النوبيين تعلم مباشرة أو بصورة غير مباشرة من «قاسم» حرفة وجماليات الرواية، أكثر مما تعلموه من نجيب محفوظ مثلًا.. ولكن أكثر ما تعلموه من «شمندورة قاسم» أن الأدب يمكن أن يمنحهم حضورًا متميزًا كنوبيين فى الساحة الثقافية المصرية ومنهم الكتّاب الموهوبون يحيى مختار، وحسن نور، وإدريس على، وإبراهيم فهمى، وحجاج أدول.. وأسماء مهمة أخرى!

وحسن نور.. من الكتاب النوبيين القلائل الذين تعلموا فن القص وحرفية الكتابة من «الرائد خليل قاسم» ونشر له بعض الأعمال فى مجلة النوبة الحديثة.. ولكن أهم ما تعلمه منه، مثله مثل الكثير من الكتّاب النوبيين هو الإيمان بالروح النوبية وبقوتها كمسار مهم فى الأدب المصرى.. ولأن «حسن نور» عاش فترة من طفولته وصباه فى النوبة تمكن من خلال مجموعاته القصصية وروايته عن النوبة أن ينقل الحياة اليومية للنوبيين وتجاربهم ولهجتهم وأفراحهم وأحزانهم.. وقبل كل ذلك أرواحهم بدقة وصدق كبيرين!

ومن أبرز.. أعمال «حسن نور» التى أثرت فى مجملها المكتبة العربية، المجموعة القصصية الأولى «الهاموش» و«أنا الموقع أدناه» وروايات «بين النهر والجبل»، «عينان زرقاء» و«دوامات الشمال»، كما صدرت له مسرحية بعنوان «أيام قبل السد» بالاشتراك مع الكاتب محمد المواردى.. لكن تظل قصته الشهيرة «رحلة فى حياة طفل نوبي» هى أيقونة أعماله، التى قدمته للساحة الأدبية بقوة عندما شارك بها فى مسابقة نادى القصة، ولفتت الأنظار إلى موهبته الكبيرة.. وكان لهذا النادى فى السبعينيات حضور ثقافي واسع مصرى وعربى، حيث ترأسه توفيق الحكيم، ويوسف السباعى، وثروت أباظة.. وكان فى عضويته أسماء مثل: طه حسين، محمد تيمور، إحسان عبدالقدوس، أمين يوسف غراب، محمد عبدالحليم عبدالله، نجيب محفوظ، عبدالحميد جودة السحار، محمود تيمور، محمد فريد أبوحديد، على أحمد باكثير، يحيى حقى، عائشة عبدالرحمن، سهير القلماوى، مصطفى محمود، صالح جودت!

و«حسن نور».. من الأدباء الذين قدموا حياتهم وأرواحهم فى أعماله، وهى سمة يشترك فيها كل الأدباء النوبيين حقيقة، فالخيال لديهم ليس إبداعًا من لا شيء، ولكن الأبداع من شيء واقعى وحى وساخن يعذبهم وجدانيًا وإنسانيًا وسياسيًا.. وبقى «حسن نور» يحفر مسارات، ويبنى مناطق ثرية فى الأدب المصرى، خاصة بعد محاولاته تجاوز جغرافيا المكان وثقافته فى الجنوب إلى عوالم القاهرة.. ولكن ظل هو نفسه الطفل النوبى، الذى لا يعشق شيئًا فى الحياة أكثر من عشقه لكوب من الشاى باللبن!

[email protected]