رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية

رغم أنّ الدين كان مرتبطًا بالدولة فى القرون السابقة فى مختلف بلدان العالم، قبل أن تخطو البشرية خطوتها الكبيرة بتجاوز نموذج الدولة الدينية فى اتجاه التحرر من ديكتاتورية رجال الدين ورموزه وتأثيرهم على أفعال البشر اليومية وعقولهم ومؤسساتهم الاجتماعية، إلا أن الفن لم يخضع قط للوصاية، بل سعى بكل الطرق المباشرة والرمزية إلى التعبير عن ذاته ليس من خارج مجال المقدس فقط بل من داخله أيضا عندما دخل الكنيسة نفسها وخلق أنواعًا من الفنون فى الرسم والنحت والغناء والعزف على الآلات الموسيقية، وشكل معاييره الجمالية على الضوابط الدينية بشكل باهر كما هو الشأن فى كل أشكال التصوير الحر، وفى أشكال زخرفة الكنائس..

فى هذا المناخ الذى راح فيه الفنّ يبحثُ عن الوجود الفاعل والمؤثر فى حياتنا بعد أن شوَّهه وشوه دوره  البعض منا بسبب ادعاء تأثير الفن على الحالة الروحية ، وجدير بنا أن نذكِّر بتلك المناسبة ، بالنّداء الذى أطلقه البابا يوحنّا بولس الثاني فى رسالته إلى أهل الفنّ:

«إنّنى أدعوكم إلى إعادة اكتشاف عمق البعد الرّوحى والدّينى الذى كان على الدّوام ميزة الفنّ فى أسمى تعابيره. إنّنى ومن هذا المنظور أتوجَّه بالنّداء إليكم، يا فنّانى الكلمة المكتوبة والمنطوقة، والمسرح والموسيقى، والفنون التشكيليَّة وتقنيّات الاتّصال الأكثر حداثة : أودّ أن أُذكِّر بأن الحلف القائم أبدًا بين الإنجيل والفنّ يستتبع، أبعد من الضرورات الوظيفيَّة التقليدية ، الدعوة إلى التوغُّل، بحدس إبداعي، فى سرِّ الله ، وفى الوقت عينه فى سرِّ الإنسان».

معلوم أن الفن يمثل إبداعا بشريًا وصنعًا وصياغة لأثر ما يُحيى قيم الجمال التى تستتبعها الإحساس بالمتعة من جانب المبدع تنتقل للمتلقى ، وهو إذ ينطلق من قدرات الفنان لإبداع أشكال يعبر بها عن ذاته بمفردات وتنويعات مبتكرة سواء بالرسم أو النحت أو النغمة أو الكلمة أو الرقصة، يتخطّى كل الضوابط الموضوعية ـ غير الجمالية ـ ويسعى إلى اكتساب شرعية استثنائية، يمنحها إياه طبيعته المتمردة وفورته القادمة من الأعماق.

من هنا يُعد الفن ممارسة بحرية كاملة ، تستمد حق وجودها من قواعد خاصة جدًا تتعلق بنظم ومدارس الإبداع الجمالى دون غيرها من أى قواعد تتعلق بأى ممارسات إنسانية أخرى ..

ويمثل الدين (بالنسبة للمؤمنين به) قوانين وتعاليم السماء المطلقة التى تضع الحدود وتحدّد الضوابط والأوامر والنواهي، ، فجوهر تعاليم الكتب المقدسة هو الوصول إلى وضع منظومة لإدارة الحياة تستمد شرعيتها من أنها «سماوية «، مما يحتم على متبعيها التسليم التام لها دون محاولة وضعها كمواد موضع حوار أو شك فى أهمية الوثوق بمعطياتها وأبعادها الروحية..

وفى المقابل يمثل الفن فى الأساس خروجًا وقد يكون رفضًا لكل الأشكال التقليدية ، والذهاب إلى محاولات دؤوبة للتعامل مع أسرار ومكنونات الدنيا المحيطة مهما بلغت تعقيدات تفاصيلها ، والتى منها الذات الإنسانية نفسها وألغاز تكويناتها النفسية والاجتماعية ، مع أن  الدين يشملها بكل بساطة ويقدم عنها أسهل الحلول وأكثرها يسرًا، لكنها قد تقابل من البشر بشكل عام والفنان بشكل خاص بقلق الريبة وغياب المعرفة وشغف البحث ومخاطرة تحمل التبعات مهما كانت قسوتها...

[email protected]