رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

مشهد قديم ومتكرر، تسكن فى شارع واسع محترم له أهميته، تمت «سفلتته» أو رصفه وتجديده منذ أشهر قليلة، تزيينه بنافورة أو تمثال أو بضع أشجار، فإذا بهم يقومون بحفره، وإزالة الأسفلت الجديد، و«بهدلة» الدنيا، لمد مواسير صرف صحى أو تجديد ماسورة انفجرت، أو زرع كابلات كهرباء، أو خطوط تليفونات، أو أى هدف آخر، المهم أن الشارع الذى كان «حريرا» وأنفقت الدولة عليه الملايين، عاد إلى ما كان عليه قبل الرصف وأسوأ وقد يتكرر أمر هذا الشارع أو الميدان أكثر من مرة فى العام، مع تجدد المسئولين بالوحدة المحلية أو مجلس المدينة أو الإدارة الهندسية وغيرهم من المسئولين.

وستسأل نفسك كمواطن بسيط: هو لو أى مسئول من هؤلاء عنده شقة ملكه، سيقبل أن يقترب منها إنسان لهدها وهى جديدة، بزعم تجديدها أو إضافة أى شيء جديد عليها، والمواطن الأكثر وعيًا سيقول إن ما يحدث فساد، وعدم تنسيق بين الإدارات والأجهزة الحكومية، وعمل كل منهم فى جزيرة منعزلة، رغم أن خارطة أى حى و منطقة فى مصر تكون معدة مسبقة قبل إنشائها، بما فيها خطوط كل الخدمات، أى لا يلزم الحفر لأنك اكتشفت فجأة ضرورة مد خطوط هذا وذاك، وأنه سبق ووضعت خطة لما سيكون عليه شكل الحي بشوارعه وميادينه، فلم تكتشف فجأة ضرورة تغيير «شكل أمه» ولا اكتشفت فجأة أن المواد التى تم رصفه بها رديئة وأسلوب التنفيذ سيئ، فتعيد ما سبق وبنته وتهد الجديد لتقيم جديدًا.

هذا نموذج صغير لما يحدث لدينا من فساد وسوء إدارة، وإذا قلنا إن المؤسسة العسكرية ضبطت الإيقاع فى موضوع الطرق، فمن سيضبط الإيقاع ويمنع الفساد فى كل أمورنا الأخرى، ويجلس «الكحيت» العارف بكل بواطن الأمور، الذى « يفتى» بحلول لكل مشاكل مصر ويبثها بصفحته «فيس بوك» حلولا ليس لها أى علاقة بالواقع، فقط ليؤلب الغضب الجماهيرى، ويحرك الهجوم على مؤسسة الرئاسة والدولة، دون أن يسأل نفسه: من المسئول عما صرنا اليه الآن من تراكم المشاكل؟

الإجابة..أن مؤسسة الرئاسة الحالية بكل تتبناه من أحلام النهضة الواسعة على كافة المستويات، وسعيها الدؤوب لتنفيذ الوعود التى قطعها الرئيس على نفسه تواجهها جملة تحديات رهيبة، معظمها إرث من النظام السياسى البائد، مازلنا نواجه جميعا مغارمها، وتحديات أفرزتها أحداث 25 يناير، وثورة 30 يونيو، وكان محصلة كل ذلك أجهزة إدارية أغلبها غير مؤهل أو مسئول عن تحقيق خطط النهضة، أو مكافحة كل صور الفساد بصورة قطعية، فالجهاز الإدارى فى أى دولة هو القاطرة التى تجر وراءها كافة بنيات المجتمع للتقدم والتطور.

للأسف كل الدراسات التى أجريت منذ الثمانينيات تؤكد أن جهازنا الإدارى معطوب ومصاب بالترهل والوهن والفساد، لدرجة يتطلب فيها الإصلاح تفوير هذه الأجهزة وبناءها من جديد، على الرغم من أن التاريخ القديم للجهاز الإدارى فى مصر يقول إنه هو من أسهم فى إنشاء أول دولة مركزية فى تاريخ البشرية، قبل أكثر من خمسة آلاف سنة مضت، منذ وَحَد مينا القطرين، لكن للأسف منذ عهد الملك، وما تلاه من ثورة 23 يوليو، وعهد الرؤساء الذين توالوا على مصر قبل 30 يونيو 2013، تم السماح فى كل هذه العهود بتأصيل روح الفساد مع غياب ديناميكية روح الفريق للعمل الجماعى المتكامل بين مؤسسات الدولة، وغياب الضمير والانتماء.

لا يمكن أبدا إنكار أن أغلب القائمين على الإدارة وما يليهم من موظفين يقومون على خدمات المواطنين، ليس لديهم أى شعور بقيمة الوقت، وليس لديهم استعداد للعمل بإتقان ولا العمل بشفافية ومصارحة، وغياب الضوابط للثواب والعقاب والمساءلة وضعف الإطار القانونى للعمل والتأخر التكنولوجى، كل هذا أدى إلى ترسخ ثقافة التواكل والمراوغة، لدى من يعمل بإدارة المؤسسات والمصالح الرسمية، ونطرح سؤالا جوهريا : كيف تتحقق النهضة فى جهاز إدارى لا يزال كل مدير جديد فيه يبدأ من أول السطر؟.. وللحديث بقية.

 

[email protected]