رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى العام الماضى وبالتحديد فى إبريل 2019 وخلال حوار أجراه معه الإعلامى أحمد موسى، راح الكاتب عبدالمنعم سعيد يؤكد أن «خرائط صفقة القرن أكثر كلام فارغ سمعته فى حياتى». وخلال أقل من سنة جاءت رياح التطورات فى المنطقة لتثبت أن الرجل ربما، أو من المؤكد بعيدا عن هذا التعبيرات المهذبة، جانبه الصواب فى النظر للأمر أو أنه كان يفكر بمنطق التمنى، حيث إنه بين يوم وليلة وبحكم هيمنة الإعلام الأمريكى لم يعد هناك من حديث فى وسائل الإعلام العالمية سوى عن صفقة القرن، بما تتضمنه بالضرورة من خرائط، والتى من المقرر، حسب الكثير من هذه المصادر، أن يعلن الرئيس الامريكى ترامب عن تفاصيلها وأبعادها اليوم الثلاثاء.

وعلى هذا فإن صفقة القرن، بعيدا عن تفاصيلها، ربما لم تكن حديث خرافة، على عكس ما جرى من محاولات لتسويقها على هذا النحو والإيحاء بأنها ليست سوى مصطلح اطلقته وسائل الإعلام وليس له أساس موضوعى على أرض الواقع، بل يبدو أن الصفقة، فى حدود القراءة المتأنية لمواقف ترامب كانت جزءا أساسيا من برنامجه بشأن تسوية الصراع العربى الإسرائيلي، على غرار موقفه بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وإذا كانت هذه الخطوة الأخيرة سهل اتخاذها باعتبارها تتعلق بموقف أمريكى يقع عبء اتخاذه على عاتق الإدارة الأمريكية فقط، فإن التأخر حتى الآن فى البت فى صفقة القرن ربما يفسره تعقد الموقف بشأنها وكونها ترتبط بأطراف متباينة كان من الصعب التوفيق بينها.

ولعله ما يؤكد ذلك أن مصطلح صفقة القرن ومحتوياتها كانت منتشرة وبكثافة منذ وصول ترامب إلى الحكم. وازدادت الإشارات إليها فى الإعلام الدولى بغض النظر عن التسمية - صفقة القرن أو غيرها - وسط تأكيدات ان ادارة ترامب تعكف منذ توليها مهامها على اعداد خطة للسلام فى الشرق الأوسط كان من المنتظر تقديمها رسميا مطلع 2018 وتم تأجيل ذلك عدة مرات وأنها متضمنة فى وثيقة أمريكية ما بين 175 و200 صفحة، ربما تزيد أو تنقص على ضوء تطورات السنتين الماضيتين، فضلا عن ذلك فقد أشار إليها أحد الزعماء العرب خلال لقاء له مع ترامب منذ سنوات، ولا نتجاوز إذا قلنا إنه تم بحثها فى ذلك اللقاء فى محاولة لاستكشاف إمكانيات تطبيقها على أرض الواقع.

غير أنه يمكن تفهم تلك الحالة الضبابية بشأن الصفقة وأبعادها وكونها حقيقية أم لا فى ضوء طبيعة السياسة الدولية التى تقوم على تقديم بالونات اختبار لجس رد فعل الاطراف المختلفة المنخرطة فى القضية محل الطرح، وهو أمر شائع فى العلاقات بين الدول بل وفى داخل الدول ذاتها فى إطار السياسات الداخلية، وهو الأمر الذى يجد تفسيره فى أنه حتى ترامب ذاته وهو صاحب خطة الصفقة كان يصرح حتى وقت قريب بأن «التقارير حول تفاصيل خطتنا للسلام، التى نبقيها طى الكتمان، وتوقيت الإعلان عنها ليست إلا مجرد تكهنات»!!!

من المؤكد وفى ضوء أن الأمر لم يتم الكشف عن تفاصيله الحقيقية على لسان صاحب الخطة وهو ترامب، حتى لحظة كتابة هذه السطور، أنه قد يكون من المغامرة الإدلاء بتصور متماسك بشأنها، غير أنه فى حدود ما تم تسريبه حتى الآن يمكن الإشارة إلى عدة ملاحظات أولية قد تساهم فى فهم أبعاد تجديد طرحها. بعيدا عن مصير الصفقة والذى يتطلب تناولا مستقلا، فإن الإعلان عنها فى الوقت الحالى فى تصورى الشخصى ربما يمثل نوعا من المناورة من قبل ترامب لدعم موقفه الداخلى فى ضوء مساعى عزله، وفى ذات الوقت مساندة لنتنياهو فى مواجهة مشاكله الداخلية كذلك ودعما لموقفه فى الانتخابات المرتقبة خلال الأسابيع المقبلة، ولعله من هنا يمكن تفهم ذلك التوصيف الذى أطلقته صحيفة «جيروزاليم بوست» على هذا التطور بأنه «هدية القرن» لنتنياهو. باختصار فإن تجديد الحديث العلنى والصريح عن صفقة القرن فى الوقت الحالى إنما يمثل قبلة الحياة لرئيس - ترامب - فى مهب الريح، ورئيس وزراء - نتنياهو- يواجه خطر السقوط!

أما على صعيد المحتوي، وبغض النظر عن صحة مواقف بعض الاطراف العربية التى لا تنتظر الكثير من ترامب فى ضوء تحيزه لإسرائيل والذى يتجاوز تحيز رؤساء أمريكيين سابقين، فإن هذا المحتوى يقدم الكثير من المزايا لإسرائيل التى ربما قد لا تستطيع الحصول عليها طواعية من قبل الدول العربية وبالذات الطرف الفلسطيني، وهو ما يفسر غضب الفلسطينيين بكافة تياراتهم على تجديد الحديث عن صفقة القرن! ولعله من هنا يبقى ضرورة الحذر فى التعاطى مع فكرة الصفقة والتى تمس أطرافا عربية أخرى من بينها مصر والتى سادت محاولات لتسويق الحديث عن اقتطاع جزء من أراضيها فى سيناء لتكون جزءا من تلك الصفقة!

وإذا كان من الصحيح ان الموقف العربى فى أكثر مراحله التاريخية تدهورا وتشرذما وتفككا وانحطاطا.. إلخ.. وأن التعويل على استرداد حقوقه بقواه الذاتية يعد ضربا من ضروب الوهم، إلا أن ذلك لا يعنى بأى حال من الاحوال «شرعنة» عملية اغتصاب تلك الحقوق.. وتلك هى المأساة فى منظور المواطن العربى.. مفارقة الضعف مع الرغبة فى استعادة الحقوق على أفضل ما يكون!

[email protected]