عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ليس الهدف من هذه السطور، بأى حال من الأحوال، نقد مسلسل «ممالك النار»، الذى يعرض على الفضائيات، فلست أولًا بناقد فنى، ثم إنه، ثانيًا، لم يتح لى ولم تواتنى حتى الرغبة، فى متابعة المسلسل. وبالتالى فإن أى حديث فى هذا الاتجاه، نقد المسلسل، يعتبر نوعًا من العبث أو التنطع فى الكتابة لا طائل من ورائه ويفقد صاحبه المصداقية أمام قارئه.

على العكس، فإن فكرة المسلسل، فى المطلق- التناول الفنى للتاريخ– ربما تبدو فكرة جيدة، حيث تعرض لمرحلة تاريخية معينة وتجسدها بالصوت والصورة وهو ما نفتقده فى أعمالنا الدرامية التى أغفلت جزءًا كبيرًا من تاريخنا فى تناولها، بغض النظر عن الموضوعية أو عدمها فى مثل هذه الأعمال، انطلاقًا من القاعدة التى تقول إن الغائص فى التاريخ لا يمكن أن يكون محايدًا بأى حال من الأحوال.

ولكن هدف هذه السطور بحث ماهية الحدود أو الضوابط أو القواعد التى يجب اعتمادها عندما استخدم التاريخ كمرشد لى فى حركتى مع التعامل مع الواقع الذى أعيشه أو تعيشه الدولة أو الأمة؟ هل يمكن أن يحكمنى التاريخ ويحدد لى مسار ما يمكن أن أقوم به؟ أم انه يجب التعامل معه كتاريخ مضى وانقضى ولا ينبغى له أن يكون له ولو مثقال ذرة من تأثير على رؤيتي؟

بعيدًا عن الدراسات النظرية التى تناولت هذا الجانب، وليس مجالها هنا، أتطرق إلى نماذج مختلفة من التاريخ المصرى تتمثل فى علاقاتنا مع الدول التى خضعنا لاحتلالها وتتمثل فى الاحتلال التركى، ثم الفرنسى، ثم الإنجليزى، وشهدت مصر خلالها أبشع الجرائم التى ارتكبها ممثلو هذا الاحتلال رغم أن شخصًا مثلى تفتح وعيه فى دراسة التاريخ فى بداية حقبة السبعينيات على أن ما قامت به الدولة العثمانية كان فتحًا وليس احتلالًا!

ما يلفت النظر فى تناول هذا الجانب ما نشره كاتب مصرى فى جريدة كبرى منذ أيام تحت عنوان «جرائم الاحتلال العثمانى لمصر» يتطرق فيه إلى تفاصيل مما ذكره ابن إياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور».. وهو نفس التوجه الذى عبر عنه تقرير لمؤسسة ماعت صدر منذ يومين. وقد سلك الاحتلال الفرنسى الطريق ذاته وهو ما رصده الجبرتى كذلك فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» وكأن قدر مصر هو مواجهة جرائم المحتلين، فإثر وقوعها تحت سيطرة الاحتلال الإنجليزى قام الإنجليز بتسريح الجيش والشرطة وتعمد الإنجليز إحداث حالة من الفوضى والتخريب فى البلاد.

السؤال الذى يفرض نفسه: ما هو الأثر الذى يجب أن تتركه هذه الخبرة التاريخية على علاقاتنا مع الدول صاحبة هذه الممارسات، وهل يمكن أن تمثل مجالًا للشعور بوجود ثأر معها، أم أن واقع تغير الظروف والأحوال يفرض نفسه، ويتطلب إستراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا الواقع؟

المنطق الذى تقوم عليه العلاقات الدولية، سواء فى شقها النظرى أم التطبيقى، يتمثل فى أن هذا النوع من العلاقات يستند بشكل أساسى إلى مبدأ المصلحة. خذ مثلًا علاقات اليابان مع الولايات المتحدة، حيث ارتكبت هذه الأخيرة أكبر مذبحة فى التاريخ المعاصر ضد اليابان بقنبلتى هيروشيما وناجازاكى، ورغم ذلك فإن ما يحكمهما علاقات استراتيجية استفادت معها اليابان بالغ الاستفادة حتى استعادت نهضتها وقوتها. فى هذه الحالة وحالات أخرى غيرها يتم تجاوز الميراث السيئ للعلاقات التاريخية وبناء نمط آخر من العلاقات يحقق مصلحة الطرفين.

الاستثناء الوحيد لهذا المبدأ ربما يتمثل فى شق العقيدة الدينية، حيث لا يتم التخلى عنها تمامًا لصالح مبدأ المصلحة، وإنما المزاوجة بينهما، والمثل الذى يعزز هذه الرؤية وضع تركيا فى سياق الاتحاد الأوروبى، حيث رغم أن منطق المصلحة يفرض قبولها كعضو إلا أن البعد المتعلق بكونها بلدًا إسلاميًا يحول دون ذلك.

حتى فى سياق التجربة المصرية ومن خلال الأمثلة التى عرضنا لها، فإن الواقع يقول إن هذا المبدأ الأساسى- المصلحة- يعمل وقائم أيضًا، ولعل حال علاقات مصر مع فرنسا أولًا ثم بريطانيا ثانيًا يؤكد هذا الطرح، فالميراث الاستعمارى الإنجليزى السيئ لم يمنعنا مثلًا من محاولة دفع بريطانيا إلى التخلى عن قرار حظر سفر مواطنيها إلى مصر لما يدره ذلك من عوائد على الدخل القومى تعزز وضعنا الاقتصادى.

وإذا كان ذلك كذلك، فربما يبدو الأمر مع تركيا– خليفة الدولة العثمانية– مختلفًا أو استثناءً، ولكنه ليس كذلك، بل إنه مثال يؤكد القاعدة، ذلك مبدأ المصلحة ما زال هو المبدأ الحاكم لمسيرة هذه العلاقات بين مصر وتركيا. خذ مثلًا وضع هذه العلاقات خلال حكم نجم الدين أربكان، وخلال حكم الإخوان، حيث كانت فى أفضل أحوالها لتوافق المصالح. المشكلة الآن هى تعارض المصالح فى ظل فراغ إقليمى تسعى تركيا- إلى جانب إيران وإسرائيل وإلى حد ما قطر- لشغله والتمدد فيه وعلى حساب الفاعلين الأساسيين فى المنطقة ومنها مصر وهذا هو مصدر الخطر فى الرؤية المصرية والذى على أساسه ربما يتم استدعاء الخبرة التاريخية السلبية كإحدى أدوات المواجهة. إلى أى حد يمكن الحكم بصحة هذا التوجه؟ هذا هو ما يمكن أن يكون مجال حوار وأخذ ورد.. والذى ربما تكون هذه السطور فاتحة له!

[email protected]