عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في لقاء سابق لي بالتليفزيون المصري لأتحدث عن التراث المصري، كان سؤالي لمعد البرنامج، ما الذي تود أن أبرزه في حديثي عن التراث تحديدًا؟ أجابني، كل ما يتعلق بالتراث. وكان ردي، هل تتصور أن حديثًا كهذا سيُغطى خلال ساعة؟ أقترح أن نحدد قضية بعينها لنتحدث عنها، ولتكن قضيتنا: هل حافظنا على تراثنا الإنساني وأضفنا إليه؟ هل قمنا بإحيائه وتحويله إلى عناصر فاعلة لمكونات الهوية المصرية؟

ومن هنا بدأ الحديث، وبدأت الأشجان.

ليست هناك أمة من الأمم تملك تراثًا ثريًا متنوع السمات والعناصر كالتراث الإنساني الذي تملكه مصر، والذي أنجب حضارة يشيد بها القاصي والداني، بدءً من العنصر الفرعوني، الأكثر تميزًا في الفكر الإنساني، ثم العنصر اليوناني الذي دخل مصر على أيدي الإسكندر الأكبر وخلفائه من البطالمة وانتهى بأجمل وأذكى ملكة عرفتها مصر كليوباترا السابعة، العاشقة لمصر حتى النخاع؛ ثم العنصر الروماني بقسوته وقوانينه الصارمة التي أعيت المصريين وأذاقتهم الهوان، مرورًا بالعنصر البيزنطي المتشبع بالمسيحية وما خلفه من ثراء للعقل الإنساني والفكر المسيحي، ليقبل علينا بعد ذلك العنصر الإسلامي، الذي شهدته مصر وتغلغل في حضارتها عبر موجات من غير المصريين ممن عاشوا على أرضها المباركة بإسم الإسلام من العرب، ثم الطولونيين، ثم الإخشيديين، ثم الفاطميين الشيعة، ثم الأيوبيين الكرد، ثم المماليك، ثم العثمانيين الأتراك؛ إلى أن تأتي الأسرة العلوية ويؤسس محمد علي باشا مصر الحديثة، التي كشفت عن معدن الإنسان المصري، وأنه يستطيع أن يواجه الرياح مهما كانت عاتية وأن لديه قدرة عجيبة على الوقوف في وجه القوى العظمى بثبات وثقة لا حدود لهما...ومن هنا يبدأ شكل جديد لتراث مصر الإنساني الذي عرفه العالم.

هذه الموجات المتعاقبة ممن أتوا إلى مصر، جاءوها بما حملوه من عناصر حضارية ارتبطت بأوطانهم الأصلية؛ وقد تأثروا بعادات وتقاليد ورؤى وأفكار المصريين، الذين تأثروا بهم أيضًا.

وليس ثمة مجال هنا لمناقشة التأثير والتأثر الحضاري على أرض مصر عبر العصور، فهذا موضوع يحتاج إلى عشرات المقالات، وتبقى الإشكالية الرئيسية: ماذا عن مجمل تراث مصر الحضاري الثمين شكلاً وموضوعًا!

فمصر-على سبيل المثال-هي من حافظت على المسيحية الصحيحة في وقت كان الفلاسفة اليونانيون يشهرون أقلامهم في وجه رجال الدين المسيحي ليجهزوا على المسيحية؛ وهي من رسخت قواعد الإسلام واستقلبت أفواجًا من الصحابة وآل البيت على أرضها لتصبح قلعة للإسلام الوسطي، بل وتُصدر علم الإسلام حتى إلى البلد الذي نزل فيه الإسلام، على حد تعبير شيخنا الجليل محمد متولي الشعراوي.

استطاعت مصر عبر تاريخها أن تجعل كنيستها الرسولية كنيسة عالمية، لها مكانتها وتقديرها؛ كما أصبح أزهرها قلعة عالمية للإسلام الوسطى، ليُكنى شيخه بلقب "فضيلة الإمام الأكبر"، ولا يُنكر هنا فضل الأزهر وعلمائه على الإسلام إلا جاحد أو مارق.

وبعيدًا عن تراث مصر الديني المتميز، يبقى تساؤلي: إلى أين يمضي تراثنا الإنساني من الفنون، والآداب، والهندسة، والعمارة، والعلوم الإنسانية، والموسيقى، والشعر...إلخ! ولنطرح أسئلة صريحة: هل نجحنا في الحفاظ على تراثنا كما ينبغي؟ هل سعت مؤسساتنا لتجعل منه جزءًا أصيلاً من مكونات الهوية المصرية؟ هل انعكس تراثنا بصورة مرئية على حياتنا اليومية؟ أسئلة كثيرة دارت بخلدى ولم يسعني الوقت لأطرحها على المشاهدين، لعلها تصادف هوى في نفوس المسؤولين.

ولنضرب مثالاً: لو أردنا إحياء العمارة الفرعونية لتصبح سمة مميزة للعمارة في مصر الحديثة، ألا يجب أن تُؤسّس مطاراتنا التي يدخلها الزائر للمرة الأولى على الطراز الفرعوني؟ أليس من الأجدى أن تتولى هيئة التنسيق الحضاري تزيين طريق العروبة من المطار حتى نهايته بالطرز الفرعونية ثم في جزء منه بالطرز القبطية ثم في جزء منه بالطرز الإسلامية، لاسيما قُبالة الدرَّاسة؟ ألا يدفع هذا السائحين لأن يؤمنوا بعظمة مصر، التي حتمًا سينقلونها لذويهم؟....للحديث بقية.

* كاتب وأستاذ أكاديمي