رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذه السطور لا تتجاوز مجرد كونها خواطر وأرجو من القارئ الكريم ألا يحملها أكثر من ذلك، وهي تدور حول تطور في مرحلة التشكل، هو ما يراه الكاتب أفول عصر الفضائيات، وهو التطور الذي ربما يمثل نتيجة طبيعية لما نراه من قفزات في التطور تحققها البشرية في حياتنا المعاصرة. يعزز هذا التصور، في مجال حديثي أنه في نهاية الثمانينيات ذكرت لي زميلة صحفية أنها مشغولة بالإعداد لكتاب جديد وعندما سألتها عنه ذكرت لي أنه عن ظاهرة البث الفضائي التي بدأت في الانتشار.

بعد نحو أربعين عاما يبدو عندما نتأمل المشهد أن تلك الظاهرة على وشك الأفول، وهو ما يأتي على وقع بعدين مهمين محلي وتكنولوجي. يتمثل الأول في التطور الذي حدث في نظرة الدولة للإعلام على النحو الذي يبدو معه نموذج إعلام الستينيات هو الأمثل. يقوم هذا النموذج على نوع من عدم التوسع في الأشكال الإعلامية من صحف وقنوات تليفزيونية حيث لم يكن هناك سوى ثلاث صحف هي الأهرام والأخبار والجمهورية، وقناتين وحيدتين.

وإذا كان الحال تغير بفعل الثورة التكنولوجية بشكل أصبحنا معه ، وبشكل خاص خلال العقود الثلاثة الماضية، مهددين بالغرق في البث الفضائي حيث يمكن للمشاهد العربي متابعة أكثر من 500 فضائية يبث أغلبها مواده على مدار 24 ساعة، وكانت مصر جزءًا من هذا التحول حيث شهدت في وقت من الأوقات أكثر من 50 فضائية مما يمكن إدراجها تحت هذه الصفة باستبعاد فضائيات «بير السلم»، فإن نظرة متأنية على حال الفضائيات في مصر يشير إلى تراجعها بعدد أصابع اليدين، مع توقعات بأن يفقد العديد منها ليصبح عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!! ويلمس أي متابع لشأن الفضائيات حال التقليص في العدد والوظائف وحالة القلق التي تنتاب من هو قائم على رأس العمل من المستقبل غير الواضح الذي ينتظره!

على المستوى التكنولوجي، فإن ظهور «اليوتيوب» وأخواته عزز من فكرة انحسار البث التليفزيوني ومن فكرة دخول الإنسانية عصر «ما بعد الفضائيات». وإذا كان حال شخص مثلي يصلح أن يكون نموذجًا، أشير إلى أنني لم أعد أشاهد التليفزيون سوى في المناسبات الاجتماعية التي تفرض الحضور فيما تجري على الشاشة صورا ومشاهد قد لا أهتم لها كثيرا. في المقابل أقوم بمتابعة الكثير من الأحداث المحلية والعالمية عبر اليوتيوب وبانتقائية لما أريد وفي الحدود التي لا تمثل مضيعة للوقت، حيث يتيح الموقع زبدة ما يتم بثه على الفضائيات، بل وأصبح يتم إعداد برامج خاصة له، وهي تمثل نسبة لا بأس بها مما يتم بثه على اليوتيوب.  

وقد كان من بين الأشياء اللافتة للنظر، في حدود اهتمامي بالأمر، ذلك التنويه الذي لاحظته أسفل الشاشة إلى أن بث القناة الأولى المصرية يمكن متابعته على اليوتيوب، وهو ما يشير إلى مدى إدراك التحدي الجديد الذي يفرض نفسه على البث التليفزيوني التقليدي ومحاولة مواكبته.

ليس ذلك فقط وإنما يتضح الأمر بشكل أكبر إذا أخذنا مثلا آخر يستحوذ على اهتمام قطاع كبير من المشاهدين وهي مسلسلات رمضان، حيث أصبح الجزء الأكبر من المشاهدين يتابع هذه المسلسلات عبر اليوتيوب وفي الوقت الذي يختاره وبدون فواصل إعلانية كبيرة حظيت في رمضان الماضي بقدر كبير من الانتقادات! أعرف أناسًا عديدين يقضون جزءًا كبيرًا من وقتهم في متابعة أعمال درامية متنوعة قديمة وجديدة عبر اليوتيوب ولا يجدون متعتهم سوى في مثل ذلك الأمر. ولعله ما يعكس هذا التطور المتعلق بالاعتماد على اليوتيوب كبديل للفضائيات تزايد بيع أجهزة التليفزيون الذكية التي تسمح باستخدام شبكة الإنترنت بسهولة بكل مكوناتها وبشكل خاص بالطبع البرامج المصورة والتي تمثل المحتوى الرئيسي لليوتيوب. 

ومع تطور استخدام الإنترنت بدأت تطبيقات أخرى في الاستحواذ على اهتمام المشاهدين ومنها تطبيق «نتفليكس»، والذي ينذر ازدهاره بالقضاء على أسطورة الفضائيات، حيث شهد خلال سنوات معدودة قفزة هائلة في حجم الإقبال على الاشتراك فيه وبمبالغ رمزية تمكن المشاهدين في مختلف أنحاء العالم من متابعة كل جديد في مجال الدراما من سينما ومسلسلات وبمبالغ رمزية زهيدة مع خيارات متعددة للترجمة حسب اللغة التي يريدها المشاهد.

قد يكون الحديث عن أفول الفضائيات ترهات وأضغاث أحلام، ومبالغة في التقدير، غير أنها مجرد فكرة أو تصور لمآل ظاهرة تمثل جزءًا من كياننا الحديث، حيث لا يوجد منزل يعيش بدون طبق لاقط. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر أشير هنا إلى أن مفكرا مثل اشبنجلر تنبأ منذ عقود بموت الغرب، فيما هذا الغرب ما زال يعيش بيننا ويكبس على أنفاسنا ويقرفنا في حياتنا، غير أن نبوءته – اشبنجلر - قد تبدو لنا الآن تحوي قدرًا من الصحة في ضوء اتجاه مقادير الأمور إلى صعود الشرق، كما كان يحلو للراحل أنور عبد الملك التأكيد من خلال نموذج دولة مثل الصين والمرشحة لأن تصبح الأولى في النظام الدولي. في كل الأحوال فإن معي العذر في أنني أعتبر ما قدمته مجرد خواطر وذلك يعفيني أمام الجميع من المساءلة، وإن كان الأمر يستحق البحث ولو من باب استشراف المستقبل! 

[email protected]