رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«محسن»، بطل «عصفور من الشرق 1938» للأستاذ توفيق الحكيم مفعم برجولته إلى حد الصلف والغرور، وحين يفتح ستار الرواية عليه وهو واقف تحت المطر عند قدمى تمثال الشاعر «الفريد دى موسيه» وقد نقشت على قاعدته عبارة «لا شىء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم» تمر فى رأسه صور من ماضيه البعيد فى القاهرة ويعلق على هذه العبارة بالقول بينه وبين نفسه - حتى هنا  فى باريس أيضاً يعرفون هذا.

والحقيقة أن محسن أو البطل الحقيقى توفيق الحكيم كان واعياً لحقيقة أن أى إنجاز عظيم فى تاريخ أية أمة يسبقه ويصاحبه ويدفع إليه ألم عظيم.. الألم العظيم يعصر مصر من قرون طويلة ولو قفزنا فوق حواجز وجراح هذا الألم وتأملنا حالنا منذ عصر محمد على باشا إلى يومنا هذا سنجد أن هناك فترات اقتربنا فيها من الإنجاز العظيم فى مواجهة الألم العظيم.

 خرج محمد على بمصر من الغابة وتيه صحارى التخلف إلى براح العصر وعلومه، ثم انكسر عام 1840 ومات عام 1949 وخلفه أبناؤه فى الحكم .. حاولت مصر الهجرة نحو الشمال مقتفية أثر حضارة النور ولكنها فى كل مرة تجنح بها مركب الهجرة فى منتصف الطريق وسط نهر هائج حيناً وآسن حيناً إلى أن افترستها تماسيح المستعمر وهنا بدأ فصل جديد من الألم العظيم.. واجهت مصر قدرها عام 1881 وسفن المستعمر ترسو على شواطئ القهر.. وواجهت ألمها عام 1919 بثورة شعبية هى الأصدق بين كل ثورات التاريخ الحديث.. تنسمت بعض نسيم الحرية والاستقلال المنقوص، ثم واجهت الألم العظيم بثورة يوليو 1952 وركب جمال عبد الناصر خيل الأحلام وصارع الألم كأى بطل فى الأساطير اليونانية إلى أن سقط من فوق جواده عام 1967 ومات متأثراً بجراحه عام 1970.

وفى مواجهة الألم العظيم والجرح الغائر عبرنا الخوف والعجز عام 1973 ثم عاودنا الألم حين عجزنا عن استثمار لحظة تاريخية عبقرية ووقعنا فى جب التعلق بالشمال وبدأت رحلة جديده لمحسن بطل عصفور من الشرق ولكنها هذه المرة كانت أقرب للهرب من الواقع منها لمواجهته واستمرت حالة الهروب والتملص من مواجهة تحدى الألم حتى سقطت كل الأقنعة فى يناير 2011 .

 المفاجأة كانت فى أن موسم الهجرة الجديدة بدا نحو الجنوب وليس الشمال .. هجرة إلى ماضى لن يعود وهروب من مستقبل لم يأت بعد .. وجد المصريون أنفسهم فى دورة زمن لم تتعدى العام فى مركب متجه نحو الغابة والصحراء، وكان ضرورياً إما القفز والغرق وإما التوقف فى منتصف النهر والطريق .. وواجهنا الألم الجديد بتعديل وجهة مركب الهجرة.. الاشكالية الحضارية حتى الآن أن بطل عصفور من الشرق ما زال حياً يمشى فى شوارع القاهرة وفى كل مدن وقرى مصر يبحث عن نفسه وعن وجوده وعن هويته وعن رجولته وعن حبيبته - ولم يهتد بعد.. الفارق ربما بين البطل الحقيقى لعصفور من الشرق وهو توفيق الحكيم نفسه وبين طه حسين فى «مستقبل الثقافة فى مصر» «1937» أن الحكيم يقف من الحضارة موقف المتأمل والتأمل قد يصل بصاحبه للفهم ولكنه لا يعينه على التغيير.

 أما طه حسين فقد كان ثائراً متمرداً عملياً - يقول فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر».. (إن الله قد خلقنا للعزة لا للذلة، وللقوة لا للضعف، وللسيادة لا للاستكانة، وللنباهة لا للخمول وأن نمحو من قلوب المصريين هذا الوهم الآثم الذى يصور لهم أنهم خلقوا من طينه غير طينة الأوروبى..) كانت صرخة طه حسين إجابة لسؤال طرحه من البداية (لماذا لا نصبح أوروبيين فى كل شىء..) والسؤال أتصوره أنا اليوم جزءاً من قدر الهجرة إلى الشمال ليس تقليداً واستنساخاً ولكن إبداعاً جديداً لتجربة حضارية حية أمامنا - كما فعل الأوروبيون بالضبط عندما فهموا أرسطو من شرح ابن رشد قبل أكثر من عشرة قرون.. المركب ما زال وسط النهر تتقاذفه أمواج التاريخ.