عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام

 

في جلسة من جلسات العيد ـ كل عام وأنتم بخير ـ كان الحديث عن الماضى وحلاوة الماضى، تبارى الأهل والأصدقاء ـ رغم تفاوت الأعمار ـ فى رسم صورة حلوة للماضى، كُلُّهم لا يرون في الحاضر حلاوة الماضى، حتى العيد لم يَعُد كالعيد زمان، تلاشت بهجته، وراحت حلاوته.. قلتُ لهم إنَّ حالَنا أصبح أفضل بكثير.. لكنى لم أستطع مقاومة تيار الحنين لزمان وأيام زمان.. أحدُهم فاجأنى وقال لى: أنت تُريد أن تسبح كعادتِك ضد التيار، فالدولة بكل عزمها تسعى لأنْ تتقدم للماضى، نعم تتقدم للماضى، تُسخِّر كل مواردها لتصل لمعدلات النمو فى ٢٠١٠ قبل أحداث يناير ٢٠١١، هذه حقيقة.. أدخلنا الرجل فى حديث عن السياسة التى أُجنِّب نفسى الخوض في جِدالِها العقيم، فقلتُ له خلينا في «فيرينا».. معظمهم تساءل فى استغراب وتعجب: فيرنا؟! فيرنا؟! فيرنا؟! فيرنا؟!.. هو انت على آخر الزمن عاوز عربية فيرنا؟!.. لم أكن أقصد السيارة فيرنا بالطبع، لكني أردت أن أخوض في الماضى، ولكن أبعد مما يتذكرون..

ولو سألتك عن فيرِينا لتبادر إلى فكرك أنتَ أيضًا ذلك الموديل المشهور لإحدى السيارات الكورية، التى تملأ شوارع مصر، وتكثر بلونها الأبيض فى شوارع القاهرة الكبرى كسيارات أُجرة « تاكسي»، ونادرًا ما تجد مصريًا يعرف من هى «فيرينا»، فحكيت لهم عنها:

في القرن الثالث الميلادي ذهبت الفتاة فيرينا المصرية بنت مدينة  قوص بقنا ـ أيام كان الصعيد مركز مصر العُظمى ـ مع كتيبة من حوالي سبعة آلاف جندي «مصري»،  لنجدة الامبراطور الرومانى دقلديانوس، ومساعدته في الحرب في أوروبا، وبعد انتصار دقلديانوس، أقاموا الاحتفالات وأطلقوا البخور، إلا أنَّ المصريين رفضوا السجود لتمثال له، لأنهم مسيحيون يعبدون الله الذى فى السماء، ويرفضون الوثنية، فقتلهم جميعًا. وهربت فيرينا مع الفتيات المصريات إلى جبال سويسرا ووجدت السويسريين برابرة همجًا، يعيشون حياة بدائية، فعلمتهم النظافة الشخصية والتداوى بالأعشاب، وعلمتهم أنَّ من شروط الإنجاب الزواج أولًا، وعلمتهم الإيتيكيت، والحياة المتحضرة، مثلما كان المصريون  يعيشون فى ذلك الوقت في الصعيد.. واليوم السويسريون صاروا أرقى شعوب الأرض، ويحتفلون بفيرينا المصرية في شهر سبتمبر من كل عام؛ اعترافًا بفضلها فى تعليمهم النظافة والعِفَّة، وكيف تكون الحياة، و كيف يرقى الإنسان ويتحضَّر، واعتبروها  قديسة، وأقاموا لها التماثيل، تخليدًا لذكراها، ولم تكُن سوى فرد  من ٦٦٠٠ فرد فى كتيبة «الطيبيين» نسبة إلى العاصمة المصرية طيبة..

لقد أصبحنا فى مصر نَحِنُ للماضى.. لقمة زمان حلوة، وهِدمة زمان أحلى، وراحة البال لا تُقدَّر بمال.. في كل مناسبة كل منَّا حسب عمره يجتر ذكريات ماضيه، ويُبدِع في وصف محاسنه، ويشدُّنا الحنين للماضى، لأنَّ معظمنا لا يرضى بالواقع ولا يطيقه، فنغرق في الماضى باجترار  ذكرياته والإبداع فى تحليتها، حتي وإن كانت مُرَّة.. أنا شخصيًا أتمنى أنْ تكون آلة الزمن حقيقة، لا لتأخذنى لمستقبل لا أعلم عنه شيئًا ولا يبدو منه ملامح، أُريد أنْ أعود إلى الماضى، أريد أن أذهب بعيدًا إلى عصر «فيرينا» المصرية، أيام كُنا نُعلِّم العالم: المدنية والإنسانية والعِلم.  

لا تُطالِبونا بأن نكون مثل أوروبا، علموا أولادنا أنْ نكون كما كُنَّا زمان، إذا أردتم ازدهار هذا البلد.