رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعب يريد:

 

 

احتفلت مصر بالعيد الفرعونى «شم النسيم» فى نفس اليوم.. ودعت مصر الأسطورة آمال فهمى المذيعة التى تألقت وأبدعت وعلمت أجيالاً القيم والآداب والالتزام والاحترام وكانت  مليونيرة القلوب، فقيرة المال، لم تستحوذ على الشقق والقصور والسيارات الفارهة، ولم تنافق أو تجامل.. فعاشت عمرها  وكل حياتها وهى متوجة بالاحترام وحب الناس والرضا والعقل والذاكرة المملوءة بالنجاح والمواقف الحاسمة، لم تستجدِ أحدا، ولكنها عاشت وماتت قوية ومستنيرة وتعى ما هى الحياة وأسرارها وتلك اللغة العربية والصوت الواضح الجميل وعند وفاتها شعرنا أنها تولد من جديد وسوف تعيش بيننا ما عشنا نحن الأجيال التى تعلمت وعاشت تسمعها لأكثر من نصف قرن من الزمان.. إنها الأيقونة الإذاعية الخالدة.

أما آمال فهمى الإنسانة فهى قمة فى التفكير والتأمل، وتلتمس الأعذار لكل من حولها وتعطى خبرتها وما تملك لكل محتاج لها ولمساعدتها وعندما  تغدر بها تلميذتها أو صديقتها أو زملاؤها أو حتى معارفها تتعامل وكأنه أمر لم يحدث ولم تشعر به أو تراه وكأنها تعطى بلا مقابل ولا تنتظر شكراً أو تكريماً. عشت معها أسبوعاً فى بيروت لحضور مؤتمرين وهناك عرفت وتعرفت على آمال فهمى الإنسانة. وتوقعت أن يخلدها محبوها بعد وفاتها لأنها تتعامل مع الحياة كقطار كهربائى سريع سوف يصل للآخرة قريباً وتعلمت منها الكثير والكثير فى الفترة القصيرة وأصبح بيننا لقاءات سوف أتذكرها ما عشت وحواراتها الذكية الجريئة، والتى تعلمنا منها كأجيال. إنها زهرة من الزمن الجميل، زمن الصدق والعطاء والوفاء.

رحم الله آمال فهمى وكل مذيعات  ومذيعى الزمن الجميل ومتع الله من بقى  منهم بالصحة ونوَّر الله قلوب المسئولين لعودة البعض منهم لينيروا حياتنا ويبعثوا فينا الأمل ويتفننوا لمصر ولأبنائها بالعمل والعطاء والبهجة.. والمثال واضح عندما أطلت علينا المذيعة سناء منصور وجددَّت فينا الأمل ولدينا خبرات حرام نتركها ونتعذب بمن تتحدث فتقطع الدول علاقاتها بنا أو من تتصدر صفحات الحوادث أخبارها أو من ترقص وتغنى وربنا يستر.

وفقدت أنا شخصياً قيمة وقامة وهالة نور كانت لنا نحن، فسكان شبرا البركة والسند ورمز التسامح والعطاء، عشنا معها نصف قرن من الزمان نسمعها فتهون علينا كل المشاكل ونقابلها لنرى الرضا ونشعر بالأمل ونمتلك دافعا قويا للحياة والاندماج فى المجتمع بحلوه ومره كان رمزاً للوحدة الوطنية ونسمة تعالج طوفان الغضب البشرى بأنواعه ودرجاته.. إنه الأب مكارى عبدالله راعى كنيسة الملاك ميخائيل بشبرا. وجارنا العزيز وأستاذ الرياضة البحتة بعلوم القاهرة والذى ولد عام 1928 وعاش 50 سنة من البكاء داخل الكنيسة وخارجها كان صديقاً وأخاً لوالدى وثالثهما الأب أرساليوس زكى راعى كنيسة مسرة رحمهم الله.. وكان الأب مكارى يصحبنى بسيارته لكلية الإعلام عقب التحاقى بها ثم ينتظرنى لحين انتهاء محاضراتى ليعيدنى لمنزلنا المجاور لمنزله.. وعندما صمنا رمضان برأس البر وكان موجوداً فى نفس الفترة كانت زوجته أطال الله عمرها تعد السحور لنا والإفطار أحياناً ثم يتناولون معنا الإفطار والسحور أحياناً أخرى ولا يتناول لا هو ولا أسرته الكريمة الماء أو الطعام طوال اليوم، مؤكداً لنا أن نتركه يروض نفسه على الصبر والطاعة.. وكانت تعليماته لمريم وأبرام أولاده الالتزام معنا بالصيام وعندما توفى شقيقى  طالب الهندسة ظل يحضر لوالدى صباحاً ويشرب معه الشاى أو القهوة ثم يقوم بتوصيله للمدرسة، حيث كان أستاذا للغة العربية وكان خطيباً بارعاً هادئاً، بينما كان الأب ارساليوس زكى خطيباً جماهيرياً وكلاهما يحفظ القرآن وكلاهما أبكى الجميع فى عزاء أخى رحمه الله.. وفقد الأب ارساليوس زكى ابناً له أيضاً فأبكى والدى المعزين بكنيسة مسرة وعلق يومها الوزير الراحل وليم نجيب سيفين قائلاً: «إننا فى شبرا نتبادل الأحزان بلغة العقاد وطه حسين.. وعندما توفى والدى أبكى د. أديب عبدالله أو الأب مكارى المعزين بجامع عمر مكرم وأذكر ذلك لأننى شعرت فى جنازة الأب مكارى أننى الآن أودع الزمن الجميل بحق وبكل شخصياته وآماله لم أعد أجد مثل هذه الشخصيات أو روح التسامح اللهم إلا ما رحم ربى.

رحم الله من مات.. وهدى من بقى وإنا لله وإنا إليه راجعون.