رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

الأشجار تموت واقفة، مثل فرسان «الوفد» لا يتركون ميدان البحث عن الحقيقة، والمعلومة الصادقة، والكلمة الحرة التى يقدمونها لقارئ «الوفد» إلا إذا صعدت أرواحهم، وجف المداد، وسقطت الأقلام من أيديهم، قسم الولاء عند فرسان الوفد لا يكون إلا للوطن والانحياز لا يكون إلا للمواطن، وهو مبدأ لا يتغير بتغير الظروف السياسية وصلاحيته ممتدة لكل مرحلة.

عشنا فى «الوفد» كما نريد، من هادئ الطباع، إلى حاد الطباع، أصواتنا عالية أحيانًا، وخفيضة بعض الوقت، ولكننا أسرة واحدة نبكى لأن أحدنا صابعه دوحس، ونحتفل إذا نجح ابن أحدنا فى «كى جى وان» لكن جربنا سقوط الأقلام من أيدينا بطريقة واحدة، الموت حق، لكن ما أصعب الفراق المفاجئ، تكون على موعد مع أستاذ أو زميل فى المكتب أو منتظرا منه تليفونا للقاء خارج الصحيفة، وفجأة يأتيك الخبر الفاجعة البقاء لله، صاحبك أو أستاذك تعيش انت.

إنا لله وإنا إليه راجعون، بهذه الطريقة المفاجئة، القاسية على النفس ودعنا أساتذتنا وأحباءنا مصطفى شردى وجمال بدوى وسعيد عبدالخالق ومجدى مهنا وحازم هاشم، وعادل القاضى، وعونى الحسينى، ومحمود فرج، وأيمن مصطفى، وصلاح شفيق، ومجدى حنا، وفؤاد فواز، وأحمد الديب، وأحمد كمال.. هؤلاء رحلوا عنا بدون وداع، تركونا على أمل اللقاء، وطال غيابهم، وكنا ننتظرهم غير مصدقين فراقهم المفاجئ واكتشفنا أنهم لن يأتوا، وينتظرون أن نذهب إليهم ربما بنفس الطريقة أيضًا، لنترك زملاء آخرين خلفنا يعاتبوننا على اختفائنا المفاجئ، ونذهب نحن وننتظرهم لتأكيد سنة الحياة، وما يبقى إلا وجه الله.

فعلها جمال يونس، أول فرحتنا فى عضوية نقابة الصحفيين، أقدم الدفعة، اختفى يومين، وتذكرته عندما كنت أراجع الصفحة الأخيرة من الوفد لإعدادها للطبع يوم الأحد، طالعت مقاله الأسبوعى فى صدر الصفحة بعنوان: «طابا الجميلة.. عاش الجيش والشرطة» استدرجنى بأسلوبه الجميل، وكتابته التى يغلب عليها طابع الحكى والتشويق إلى قراءة المقال بالكامل، اكتشفت أنه كان عائدًا مع أسرته المكونة من زوجته وابنه إسلام من رحلة إلى طابا القطعة الغالية من تراب سيناء وكأنها محبوبته ومعشوقته، يتغزل فى بهائها ويشيد بالجيش والشرطة، وبشجاعتهم فى السلم عند تقديم المعونة لمن يحتاج مساعدتهم وفى الحرب عندما يثأرون للشهداء من الإرهابيين. التقى مع سياح، وجعلهم يحبون مصر، ويتمنون زيارتها مرة أخرى ليزوروا الأهرامات. قضى مع أسرته أياما جميلة، وخلال العودة إلى القاهرة، قال له ابنه إسلام مصر جميلة لكن المصريين مش حاسين بيها، يقول جمال فى آخر سطر فى المقال: فأومأت له برأسى موافقًا دون تعليق.

وبعد أن انتهى جمال من إرسال مقاله إلى الجريدة يوم الأحد لبى نداء ربه، وبعد أن انتهيت أنا من قراءة آخر جملة فى المقال من بروفة الصفحة الأخيرة، جاءنى صوت الزميل وجدى زين الدين رئيس التحرير يصرخ فى صالة التحرير: جمال مات. أطبق الصمت على أرجاء المكان الذى كان يضج بالحركة، والأصوات العالية، وانزوى كل واحد فى ركن يبكى غير مصدق ما حدث، ومعظم الزملاء قالوا جمال كان لسة مكلمنا فى التليفون وتذكرت وسط دموعى أننا فى الوفد نموت بطريقة واحدة وها هو جمال يلحق بكتيبة شهداء الكلمة النبيلة الذين ودعناهم واحدًا وراء الآخر على مدار السنوات الماضية.

كان جمال يونس رحمه الله قد ابتلى بأمراض السكر والضغط والقلب، وهى أمراض انتشرت واستفحلت بين أصحاب مهنة البحث عن المتاعب، وكان يستطيع ترويض قلبه العليل بالمسكنات ولكنه تمرد عليه بعد عودته من رحلة طابا وتوقف بعد كتابة مقاله بدقائق. فى منزل جمال يونس استقبلنا إسلام جمال يونس كان يحاول أن يبدو متماسكا.. كتم أحزانه داخله، أما نحن فقد انفجرنا فى البكاء مرة أخرى، صعب السفر بدون وداع، خاصة إذا كان بلا عودة.. إلى جنة الخلد يا جمال.. وسنأتى إليك حتما ومهما تعددت الأسباب فالموت واحد وهو علينا حق.