رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

 

 

«هتلر أبوسعدة».. هو رجل لا يعرفه أحد، حتى جاره الذى يسكن فى الغرفة الملاصقة له، فى عمارة قديمة جدًا، بوسط البلد.. ولكنه فجأة قرر من مقهى على بابا فى ميدان التحرير، وكنت حاضرًا هذه اللحظة التاريخية، أن يعلن، ترشيح نفسه للاستفتاء عليه بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، لينافس نائب الرئيس وقتها، حسنى مبارك، الذى وافق مجلس الشعب فى أكتوبر 1981، على ترشحه للاستفتاء الشعبى.. بينما وافق على ترشح «هتلر» رواد مقهى على بابا!

وكان، وقتها، انتخاب رئيس الجمهورية بشكل غير مباشر فى نظام من مرحلتين فريد من نوعه ومحصور على مصر فقط. حيث يختار مجلس الشعب، مرشحا واحدا فقط من عدد من المرشحين لمنصب الرئاسة فى مصر. وكان يتطلب من المرشح الرئاسى أن يحقق على الأقل أغلبية الثلثين من أصوات الأعضاء فى مجلس الشعب من أجل المضى قدمًا إلى المرحلة الثانية من الانتخابات، وهى استفتاء الشعب على قبول أو رفض المرشح الرئاسى الذى اختاره مجلس الشعب!

وهتلر أبوسعدة.. شخصية حقيقية، وكان من المترددين على المقهى الذى كان رواده من السياسيين والأدباء والفنانين، ولقد التقيت بالكاتب الكبير نجيب محفوظ فى هذا المقهى الذى كان يأتيه فى الصباح الباكر ليشرب القهوة ويقرأ الصحف قبل أن يذهب إلى مكتبه بجريدة الأهرام. وكذلك تعرفت على الروائى يحيى الطاهر عبدالله، والمخرج توفيق صالح، الذى كان عائدًا من العراق، وقد حكى لى ولصديقى المخرج السينمائى سميح منسى تفاصيل رحلته فى العراق وكيف هرب منها. وكذلك تعرفت على الناقد الكبير فاروق عبدالقادر.. والكثير من الشخصيات المهمة، المعروفة وغير المعروفة.. ولكن ظل «هتلر أبوسعدة» لغزًا عجيبًا من بين رواد المقهى.. فقد كان يأتى فى وقت متأخر من الليل ويجلس على ترابيزة بمفرده، ويطلب الشاى، ولا يشربه، ومن شنطة قديمة يمسك بها بحرص شديد يسحب منها «رزم» فى حجم النقود، ولكنها من ورق أبيض، ويضعها أمامه ويظل يعد أوراق كل رزمة بدقة، ولفها بالأستيك ويعيدها للشنطة.. وبعد نحو ساعتين على الأقل من هذه العملية، يضع الشنطة امامه، ويشرب الشاى، الذى كان قد طلبه، وينام.. ولا يصحو الا بعد ساعتين ويدفع الحساب ويرحل فى صمت بكل جدية ووقار!

ولكن فى إحدى الليالى كسر «هتلر أبوسعدة» هذا النظام الصارم ووقف وسط المقهى معلنًا نفسه للترشح فى الاستفتاء منافسًا لحسنى مبارك.. وقام كل من بالمقهى بالتصفيق والهتاف باسمه فى سخرية درامية لاذعة.. لا تقل عن التراجيديا التى كانت تعيشها البلاد بعد اغتيال السادات.. وقام ليلتها عدد كبير من رواد المقهى برفع «هتلر» على الأعناق ووضعوه فى سيارة مكشوفة ظلت تدور به حول الميدان وكل رواد المقهى، وكذلك رواد مقهى استرا، الذى تحول إلى مطعم الآن، على الرصيف يهتفون باسمه بالروح بالدم نفديك «يا هتلر».. وقد انتابته حالة عظمة الرؤساء، حيث وقف فى العربية وهو يشير لنا بإحدى يديه، ويحتضن فى حرص شديد الشنطة باليد الأخرى.. وانتهى هذا المشهد الساخر.. بحالة من الكوميديا السوداء، حيث انهال عليه الجميع بالشتائم وألقوا عليه اعقاب السجائر وعندما هبط من السيارة كان صوت الضرب على قفاه يرن فى الميدان كله.. ومن يومها لم نر «هتلر أبوسعدة» مرة أخرى!!

[email protected]