رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نظرات

من الأقوال المأثورة عن الشيخ أمين الخولي – رحمه الله – أن الأفكار حين تجد في العقل خواء وتصادف في الدماغ خلاء تعشش وتستقر حتى ليصعب إخراجها وانتزاعها من العقل مهما كانت درجة زيفها. وتزداد حدة استقرار الأفكار في العقول والأدمغة عن طريق التكرار المستمر لها والذي يحول موضوع الفكرة إلى ما يشبه العقيدة الثابتة التي لا يجوز مناقشتها أو الاقتراب بمنهج التحليل النقدى من حدودها.

وكثيرة في تاريخ ثقافتنا العربية والإسلامية هي الأفكار التي أنتجتها عقول بشرية، ولكنها تحولت بفضل التكرار والترديد، الذي من شأنه أن يخفي غيرها من الأفكار إلى « عقائد » لا يمكن المساس بها.. وإلى هنا ينتهي كلام الشيخ أمين الخولي المنقول من كتاب « الخطاب والتأويل » للدكتور نصر حامد أبو زيد.. ولو تأملنا الكثير من جوانب حياتنا الفكرية والدينية في مصر فسنجد الكثير من الحقيقة في كلام شيخنا الجليل ولا أبالغ لو قلت إن ثقافة التطرف والإقصاء التي تصبغ جانبًا كبيرًا من المشهد العام في مصر والعالم العربي على وجه الخصوص إنما يعود إلى الكم الكبير للأفكار الضالة التي استقرت بالعقل الجمعى منذ أكثر من ألف عام لتتحول بمضي الزمن من مجرد أفكار ورؤى بشرية إلى عقيدة مغلفة بالتقديس، وينسحب هذا على الأفكار والأشخاص.

ولكي نبدأ حالة حقيقية للإصلاح الاجتماعي ولتطوير الخطاب الديني فلابد أن نعرض العقل الجمعي إلى حالة من النقد تنكت كل ما به ليس بهدف التخلص منه ولكن بغرض إعادة وضعه في سياق الأفكار وليس العقائد، خاصة إذا سلمنا معا بأن الحياة العربية والإسلامية قد خلت من الفلاسفة الحقيقيين منذ عشرة قرون تقريبا.. واقع اغتصاب العقل الجمعي ووقوعه أسيرًا لجيوش الأفكار التي حولت البشري إلى مقدس والفكرة إلى عقيدة ألقى ببلادنا ومجتمعاتنا في جُب التخلف وعتمة الخوف من أي فكرة جديدة تصبح مهما بدت منطقيتها وعلميتها وبرهانها فتنة للناس فيما استقر بعقولهم من أفكار تحولت من بشرية التأسيس إلى فضاء التقديس.. وما ترتب على ذلك أن أصبح أهم ما يميز المجتمعات العربية ونحن منها الكذب الذي بات جزءًا أساسيًّا من نسيج التخلف.. الكذب بين المتسلط والمقهور – الكذب في الحب والزواج – الكذب في الصداقة – الكذب في ادعاء القيم السامية – الكذب في ادعاء الرجولة – الكذب في ادعاء المعرفة – الكذب في الإيمان – كذب التاجر على المشتري.

وهذا يعني أن معظم العلاقات زائفة ومعظم الحوار تضليل وخداع لأن عملية إنتاج الوعي توقفت وتجمدت، وبدون حوافز الوعي وأدواته يستسلم الإنسان لما تمليه عليه ما توهم بأنها عقيدة وهي بالأساس لم تكن سوى أفكار، ومن طول تراكمها وتكرارها تحولت إلى جبال صماء تخيف من يحمسه عقله على صعودها وتأملها والسؤال عن أصلها..

[email protected]