رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

فى المسافة الضيقة التى بين رصيف وأسفلت شارع قصر العينى، وفى مساحة لا تزيد علي نصف متر، عند محطة الأتوبيس، وبجوار بائع الصحف الذى يحتل الجزء المتبقى من الرصيف، كنت أرى «عم عزيز» وأنا أهبط من الأتوبيس متجهًا إلى مقر عملى فى جريدة «الوفد» بالمنيرة، أو أثناء انتظارى الأتوبيس متجهًا إلى ميدان التحرير، حيث كان يجلس بلا حراك، صامتًا ومتأملًا فى المارة وفى السيارات، وهو يسند ظهره إلى حائط متهالك، ضامًا رجليه إلى صدره، واضعًا رأسه على ركبتيه كما لو أنه تمثال فرعوني نسيته هيئة الآثار على رصيف الشارع منذ سنوات!

يفرش «عم عزيز» نصف أفيش فيلم لممثلة إغراء لا أذكر اسمها يضع عليه بعض الأشياء القديمة التى لا تصلح للبيع.. صور أطفال، وعلبة صفيح لسجائر كوتاريللى، وصورة لأم كلثوم من فيلم فاطمة، ونظارة شمسية بلا ذراع وبدون زجاج، وأخرى مكسورة إلى ثلاث وبعدسات مقعرة، مثل التى يلبسها ويربط شنبرها بحبل حول رأسه وكأنه طيار هليوكوبتر يستعد للإقلاع فى أى لحظة.

وكان لا بد أن اكتشف هذا العالم الصامت، دون أن أقتحم خصوصيته، حيث يبدو كعزيز قد أذلته الأيام، فقد كان يرتاب فى كل من يقترب منه حتى ولو كان يريد أن يتفرج على ما يبيعه.. وفى يوم اقتربت منه وجلست على ركبتى وسألته عن أسعار بعض الأشياء التى يبيعها ثم أخرجت علبة سجائرى، عندما كنت مدخنًا، وأعطيته واحدة ولما أخذها تشجعت لإجراء الحوار معه لمعرفة قصته.. ويا ريت ما سألته فقد انهار باكيًا كالأطفال متذكرًا أولاده الذين لم يرهم منذ سنوات، لم يعد يحصى عددها، بعد أن أخذتهم أمهم التى طلقها واضطر أن يخرج معاش مبكر من وظيفته، للحصول على مكافأة نهاية الخدمة لدفع تكاليف رفع قضية ليرى أبناءه، ولكن بفعل قانون الرؤية لم يستطع أن يراهم غير مرة واحدة فى مقر الحزب الوطنى بالأميرية ثم اختفت هى والأولاد.. وظل يبحث عنهم فى الشوارع والحوارى لسنوات حتى نسى أين يعيش، ولم يتبق له سوى صورهم التى يفرشها أمامه، ونظاراته المكسورة وصورة أم كلثوم التى يعشق صوتها، ومعاش لا يزيد علي خمسين جنيها لا يكفيه لأيام فاضطر أن يعرض ذكرياته القديمة للبيع!!

[email protected]