أمام كل حاكم عربى، فرصة العُمر، التى يستطيع بها أن يعطى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، درسًا فى أن احترام إرادة الشعوب، مسألة لابديل عنها!
فليس هناك شارع فى أى عاصمة عربية، إلا والغضب يملؤه من جرّاء القرار الأحمق الذى اتخذه ترامب فى السادس من ديسمبر، بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها عاصمةً لإسرائيل!
والغضب يتخذ أشكالًا مختلفة من الجامعات، إلى النقابات، إلى المدارس، إلى كل كيان حى فى كل مكان.. فالانتفاضة ضد القرار ليست فلسطينية فقط، ولكنها مصرية، وعربية، وإسلامية، وفى كل اتجاه.. بل هى عالمية أيضًا، لأننا أمام تراث فى القدس ليس إسلاميًا، ولا مسيحيًا، ولايهوديًا، وحسب، ولكنه تراث إنسانى بالدرجة الأولى وفى الحساب الأخير!
ولا تعرف كيف لم يستوعب الخواجة ترامب هذا كله، وكيف لم يُنبهه مستشاروه إلى ما يجب الانتباه اليه، إذا كان قد غاب عنه أن ينتبه؟!
إن اسرائيل لم تكن موجودة يوم 14 مايو 1948، ولكنها قامت فى اليوم التالى مباشرةً، واعترف بها على الفور الرئيس الأمريكى الموجود فى البيت الأبيض وقتها هارى ترومان، وكان المعنى الأول فى اعترافه الفورى، أن انحياز واشنطون إلى تل أبيب قديم، قدم اسرائيل نفسها!
ولكن القدس كانت موجودة طبعًا قبل 15 مايو 1948، وكانت عاصمة لدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، حتى ولو كان الإنجليز قد احتلوها لفترة.. ولم تكن هناك بدعة اسمها القدس الغربية والقدس الشرقية.. إنها قدس واحدة، وعاصمة لدولة واحدة اسمها فلسطين!
ومع ذلك فقد جاء على الفلسطينيين وقت من أوقات التفاوض مع الإسرائيليين، ارتضوا فيه أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.. ارتضوا ذلك فى الحدود الدنيا من الرضا.. وما يرتضيه الفلسطينيون يرتضيه العرب على الفور ولا يناقشون فيه!.. إن كل فلسطينى هو صاحب القضية فى الأساس، وما يرضى به، هو التزام لدى كل عربى، وكل مسلم، فى كل أرض!
ويأتى ترامب ليطيح بهذا كله بقراره غير المسئول، وكأنه قادم إلى العالم من خارج الكوكب، أو كأنه لم يسمع من قبل عن أن اسرائيل تحتل أرضًا، وأن القدس الشرقية.. على الأقل.. من بين هذه الأرض!
وفرصة العمر التى قصدتها فى أول هذه السطور، أن الرأى العام العربى كله، مُعبأ هذه الأيام ضد القرار، فى قطاعات عريضة منه، كما لم يُعبأ ضد قرار من قبل.. وعلى هذه الأرضية يستطيع كل حاكم عربى أن يتعامل مع ادارة ترامب بقلب جامد، لأن وراءه رأيًا عامًا متحفزًا سوف يسنده، ولأن ترامب ذاته هو أول مَنْ يعرف معنى الرأى العام الذى من هذا النوع، ويعرف كذلك ضرورة احترامه!