رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام

 

هل يمكن أنْ يُغَيِّر التزييف حقيقة التاريخ؟

هذا السؤال طرحه الرئيس الأسبق محمد نجيب، الذى مر بالأمس 63 عاماً على عزله.. وأجاب «نجيب» عن السؤال بقوله: «لا أعتقد».. لكن رغم مرور هذه السنوات الطويلة ظل التزييف هو السائد والحقيقة قد طمست ولم ترَ النور، ولم تجد لها سبيلاً لسجلات التاريخ.. وبات محمد نجيب مجرد اسم على محطة للمترو تحت الأرض، ولافتة لقاعدة  عسكرية فى الصحراء الغربية.

فى 14 نوفمبر عام 1954 عزل الرئيس جمال عبدالناصر، الرئيس محمد نجيب من رئاسة مصر، ولم يكتف بذلك بل نفاه سجيناً فى منزل فى قرية المرج.. وظل منفياً طوال 29 عاماً، أمضاها بين الجدران يقرأ الكتب فى الطب والهندسة والفلسفة والاقتصاد والأدب والاجتماع، ويُربِّي القطط والكلاب، التى اقتسم معها قوته وقوت أولاده. وعندما خرج الرئيس نجيب من منفاه فى أكتوبر عام 1983، ألحَّ عليه أصدقاؤه القدامى وأقاربه أنْ يُدوِّن مذكراته، لكنه رفض، إلا أنه عندما قَلَّبَ فى دفاتره القديمة، وفتش فى ذاكرته الممتلئة بالألم والحزن، وافق أنْ يكتب ليوضح حقائق، ويؤدى واجباً لابد من أدائه قبل رحيله، فكتب بخط يده شهادة على عصر ثورة يوليو، التى يصفها بحركة الجيش.. وقد قرأت كتاب «كنت رئيساً لمصر» أكثر من مرة، وفى ذكرى اعتقال الرئيس محمد نجيب أعدْتُ قراءته ليلة أمس الأول، وفى هذه المرة هزَّنى من أعماقى ما ذكره الرئيس الأسبق، فى الفصل الرابع عشر من كتابه الذى وضع له عنوان «أيام المعتقل».. يتعجب «نجيب» من سلوك مجلس الثورة، الذين تركوا مَنْ تحالفوا مع الإنجليز ليعيشوا أحراراً، وفتحوا أذرعتهم للاجئين السياسيين، بينما ألقته «الثورة» حبيساً فى منزل بلا رحمة ولا كرامة.. وكدت أبكى وأنا أقرأ حواره مع ابنه «فاروق» الذى سأله هل حقاً كنت أول رئيس للجمهورية؟! فأجابه  نعم يا بنى، لكن ما الذى جعلك تسأل هذا السؤال؟.. هذا تاريخ مضى وانقضى.. ولمح «الرئيس» دموعاً حائرة فى عين ابنه، وهو يقدم له كتاب المطالعة، وجاءت فيه عبارة: «جمال عبدالناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر».

وظل سؤال ابنه فى ذاكرته سنين ولم يعلم إنْ كان قد صدَّقه أم صدَّق كُتُبَه المدرسية».

لقد رفعوا اسمه من التاريخ وزوروه، وحاولوا أنْ يتعاملوا معه كأنه لم يولد ولم يكن له أى وجود، وكأنه كذبة أو خرافة. هكذا يُزيفون التاريخ ببساطة، وهكذا يُعلِّمون الأولاد الكذب.، وحزن «نجيب» جداً لأنَّ ابنه يعتبره كاذباً، وهو أشق ما يمكن أن يتحمل أب من ابنه.. وحزن لأنهم أصدروا حكم الإعدام على اسمه وهو لا يزال على قيد الحياة.. ويظهر مدى حُزن الرجل وهو يسرد وقائع القبض على هذا الابن «فاروق» وإيداعه ليمان طرة، لاتهامه بالاعتداء على النظام وسبِّه.. وعندما خرج كان مُحطماً ومنهارًا ومريضاً، فمات من السقوة والغم والهم بعد عام واحد من مقتل شقيقه «على» الذى وجدوه مقتولاً فى ألمانيا.

فى كتاب «كنت رئيساً لمصر» وقائع  كثيرة تكشف مدى ما تعرض له الرئيس نجيب من إهانة وتكشف نزيف التاريخ الذى لم يتم تصحيحه حتى الآن.

[email protected]