رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

أخشى أن يكون الهجوم القاسى الذى وجهه الدكتور يوسف زيدان للزعيم الوطنى أحمد عرابى، هو شطحة جديدة من شطحاته التى اعتاد إطلاقها مع كل إصدار جديد من مؤلفاته، شبيهة بشطحة سابقة له وصف فيها قبل شهور صلاح الدين الأيوبى بأنه «أحقر شخصية عرفها التاريخ»، وهو نوع من الشطحات ينطوى على خطورة لأنه يتوجه لجمهور عام بات البعض منه تكون آراؤه طبقا لما يبث فى البرامج الحوارية المرئية، بعد أن تدنت مستويات القراءة والثقافة وتراجعت الرغبة فى التعلم والمعرفة، وهى أمور تفقد هؤلاء الثقة فى تاريخهم، وتلوث رموزهم التاريخية، وتشكك فى قيم المقاومة والثورة والتصدى للمظالم الداخلية والخارجية.

فقد أعلن فى حواره مؤخرا مع الإعلامى البارز عمرو أديب أنه بصدد إصدار كتاب جديد، وأضاف متفاخرا أن مؤلفاته من أعلى الكتب توزيعا فى مصر، لم يعد معيارا للجودة أو الجدارة والاستحقاق، بسبب التغيرات المتسارعة التى لحقت بالواقع الاجتماعى وأضحت تطحنه ثقافة الاستهلاك فى كل شىء. وفضلا عن ذلك فقد بدا لى أن  هجومه على عرابى لم يكن حديثا عن الثورة العرابية، وليس تقييما لأحداث التاريخ الماضى، بل أغلب الظن انه حديث عن الحاضر، لاسيما وأن وصفه لعرابى بالضابط المسكين الساعى إلى السلطة، وأنه تسبب فى جلب الاحتلال لمصر لمدة سبعين عاما، جاء جملة عابرة فى حواره الفضائى الطويل الذى يعيد فيه قراءة بعض الوقائع التاريخية وتأويلات النصوص الدينية وفقا لفهمه الخاص، الذى لا يخلو من رغبة محمومة فى الإثارة، يماثلها نزوع متعمد للحط من شأن قراءات أخرى مغايرة، والنظرة المتعالية لما هو شائع منها.

استهانة الدكتور زيدان بعرابى وثورته ليس بالشىء الجديد، بل هو ظاهرة شائعة  فى الصراع السياسي، عرفتها مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر واتسمت فى غالبيتها بكثير من الأباطيل وما هو أكثر منها بضيق الأفق، والنزوع نحو تصفية حسابات سياسية لا تخلو من منافسة ومكايدة. فالزعيم مصطفى كامل وصف الثورة العرابية بأنها حوادث أشقت البلاد والمتهم الأكبر فيها هو أحمد عرابى، ولم يكن الزعيم محمد فريد معجبا بمصطفى كامل وهاجمه كثيرا، وقال قادة حزب الوفد فى مصطفى كامل ما لم يذكره مالك فى الخمر، وجاءت ثورة يوليو لتهيل التراب على حزب الوفد وقادته، ووصف «الميثاق» الذى أصدرته الثورة الزعيم سعد زغلول بأنه مجرد انتهازى ركب موجة ثورة 1919.

ولم تكن الهجمة الشرسة التى تعرض لها الزعيم جمال عبد الناصر بعد رحيله بأقل شراسة وافتراء من كل ذلك.

والقول إن عرابى هو من تسبب فى احتلال مصر سبعين عاما يستدعى تساؤلا منطقيا تم تجاهله فى الحوار الفضائى المذكور وهو: هل كانت مصر دولة مستقلة قبل قيام الثورة العرابية؟ الإجابة يقدمها صلاح عيسى فى كتابه الهام «الثورة العربية» مؤكدا أن الاحتلال الفعلى لمصر قد تم بطريقة سلمية عن طريق تولى حكومة مختلطة، تضم وزيرين أوروبيين أحدهما فرنسى للأشغال، والثانى بريطانى للمالية كمراقبين كانا لهما حق الاعتراض على أى قرار حكومى، وسلطة تشريعية تمثل الأجانب وتشرع لهم ولها حق الاعتراض على أى قانون وطنى، ومحاكم مختلطة تطبق تلك التشريعات وتحابى الأجانب على حساب المصريين، وبهذا تم الاحتلال السلمى لمصر الذى جاءت الثورة العرابية احتجاجا عليه، لكن هذا الاحتلال السلمى لم يستطع أن يثبت أقدامه بفعل مقاومة المصريين وحركتهم الوطنية، إلا بتحوله إلى غزو عسكرى مسلح.

هجوم الدكتور زيدان على عرابى ليس بريئا، بل هو يندرج، سواء قصد ذلك أو لم يقصد، فى الحملات المنظمة التى يجرى الترويج لها الآن من قبل خصوم النظام المصرى فى الداخل والخارج ضد ما يسمى حكم العسكر، وكان الأجدر به أن يعرض رأيه صراحة لكى يجرى نقاش عقلانى يستند إلى الحقائق لا العواطف حول هذا الحكم، بدلا من إهالة التراب بخفة واستعلاء على رموز الوطن.