رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

التبست علينا الأشياء، وغمَّ علينا فى الكثير من أحوالنا بحيث بات عسيراً فرز الصالح من الطالح، والسوى من الردى، والأصلى من الزائف. وتتبدى حالة الالتباس هذه جلية واضحة فى المجال الإعلامى الذى اجتذب إلى أضوائه الباهرة كماً هائلاً من الهاموش وأشباه الهاموش الذين اقتحموا الساحة فى غفلة من الزمن، وارتدوا ثياب العارفين والخبراء، وراحوا يفتون بغير علم فى أمور باتت علومها راسخة قبل قرن من الزمان أو يزيد.

ومن المجالات الإعلامية التى اجتذبت هؤلاء الأشباه مجال المراسلين. ولا أدرى حقيقة لماذا كان ذلك، ولكن ربما كان بُعد مكان العمل عن المركز أحد أسباب ذلك، واحتياج القنوات إلى من يمدها على وجه السرعة بمعلومات عن أحداث مهمة تهم مستمعيها ومشاهديها بحيث تحقق السبق، ولكن بشرط ألا تتكلف كثيراً. وربما كانت مسألة التكلفة السبب فى الابتعاد عن المراسلين الحقيقيين، واللجوء إلى لابسى المزيكا الذين يبدون فى شكل مراسلين، ولكنهم فى الحقيقة زائفون، ولا يدرون من أمر هذا العمل الجاد والشديد التعقيد شيئاً.

وقد اشتهر اصطلاح لابسى المزيكا مع فرقة حسب الله الموسيقية التى كانت تعزف فى الأفراح والموالد الشعبية قبل نحو قرن من الزمان. وكانت الفرقة تتقاضى أجرها حسب عدد أفرادها من العازفين. ولذا كان يجرى التحايل على ذلك بإضافة أشخاص لا علاقة لهم بالعزف ولا بالموسيقى، وإنما يرتدون لباس العازفين، ويحملون آلات موسيقية دون أن يستخدموها وكان يجرى جمعهم من بين العاطلين عن العمل من رواد المقاهى. وقيام الفضائيات بإدخال العديد من العناصر التى لم تكن لها علاقة بالإعلام ولا بآفاقه وتقنياته لتمثل لنا أدوار المراسلين والخبراء والمحللين ما هو إلا إعادة لأسلوب لابسى المزيكا المهرجين.

وقد أثار انتباهى للكتابة فى هذا الموضوع ما كشفته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية مؤخراً من أمر صاحب كشك الساندويتش الذى يعمل مراسلاً لقنوات تليفزيونية مصرية إلى جانب عمله الأصلى. ولست هنا فى صدد تقييم عمل هذا الشاب المكافح الذى لم أشاهده أو أتابع عمله من قبل، ولكنى أتناول هنا موضوع الفضائيات وأسلوبها فى النظر إلى عمل المراسلين الذى يتنافى تماماً مع النظرة الحقيقية التى ينبغى لها أن تسود. ومتابعة متأنية للقنوات العالمية المهمة مثل CNN أو BBC تكشف لنا أولاً كم المراسلين الذين يجرى استخدامهم فى التغطيات المعتادة من أى موقع من المواقع التى يغطونها، ثم كيف يجرى تدعيمهم بأعداد إضافية عند وقوع أحداث طارئة تستلزم هذا الدعم. ويستند كل مراسل من هؤلاء المراسلين إلى سنوات خبرة كافية أمضاها فى العمل الإعلامى. كما أنهم جميعاً يتلقون تدريباً كافياً لصقل تجربتهم، وإعادة تدريبهم على فترات؛ لكى يكونوا على هذه الدرجة التى نراها من المهنية والمهارة. ويتميّز أداء كل هؤلاء المراسلين بالتناغم الشديد والالتزام بقواعد الأداء. فهناك وظيفة معلومة للمقدمة التى يقرأها مذيع الاستوديو والتى يشارك المراسل فى وضعها والتى لا يمكن أن تكون تكراراً للسطور الأولى من تقرير المراسل. وهناك قواعد صارمة تضعها كل محطة لطول الرسالة التى تدخل ضمن النشرة، وتلك التى تأتى خارج النشرات. ومتى يذكر المراسل اسمه ومتى لا يذكره. وتظهر براعة المراسل فى الحصول على أكبر قدر من المعلومات المستقاة من مصادر رسمية أو مشاهدات شخصية أو شهود عيان. وتتجلى خبرة المراسل ومهارته فى الحصول على الانفرادات الإخبارية التى تميز قناته عن القنوات الأخري.

 إن عمليات التحايل على الأداء المهنى بأسلوب لبس المزيكا لا تصلح فى هذا الزمان. ورحم الله صديقى أستاذ الإعلام النابه الدكتور محمد وفائى الذى كان يقول إننا نعمل الأشياء كما لو كانت حقيقية ولكنها زائفة. والاستمرار فى هذا الأسلوب يؤدى بِنا إلى شبه الدولة التى نرجو ألا ننزلق إليها.