أحوالنا
يجرى تعريف الدبلوماسية بفن تحقيق الممكن بأدوات مغلفة بورق السلوفان. وفِى سبيل ذلك يبذل الدبلوماسيون جهودهم الحثيثة من أجل تطوير العلاقات القائمة بين دولهم والدول التى يوفدون إليها سواء لفترات طويلة، أو فى مهام محددة قصيرة الأجل، وفى الأوقات التى تكون فيها العلاقات جيدة فإن مهمة المبعوثين الدبلوماسيين من كلا الجانبين تكون سهلة ميسورة، إذ تقتصر جهودهم فى هذه الحالة على البناء على حسن العلاقات ودفعها قدمًا إلى الأمام. أما فى الحالات التى تنشأ فيها مشاكل، فإن الوضع يتأزم ويتطلب مهارة وبراعة وقدرات استثنائية من جانب الدبلوماسيين. وفِى هذه الحالات التى تتدهور فيها العلاقات بين الدول، غالبا ما يكون الدبلوماسيون أنفسهم أول ضحايا ذلك التدهور. فكثيرا ما نسمع عن خفض لمستوى التمثيل الدبلوماسى بين دولتين إلى ما دون مستوى السفراء، أو طرد عدد من دبلوماسيى إحدى الدول ومغادرتهم خلال ساعات محدودة، وقد تابعنا مؤخرًا قيام روسيا بطرد ٧٥٥ دبلوماسيًا أمريكيًا وذلك ردًا على فرض عقوبات أمريكية جديدة على موسكو. وكان الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قد أمر فى شهر ديسمبر الماضى بطرد ٣٥ من الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة لأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم، ومنحهم وأسرهم مهلة ٧٢ ساعة لمغادرة البلاد.
وتتجلى مهارة الدبلوماسيين فى تخطى الصعاب أثناء تدهور العلاقات أو دخولها فى أنفاق مظلمة وما أكثر هذه الحالات فى أيامنا هذه. فيتعين عليهم طوال الوقت البحث عن شعرة معاوية حتى يقوموا بما أوتوا به من براعة بارخائها وجذبها فى الوقت المناسب. ونظرًا لأهمية الدور الذى تقوم به الدبلوماسية فى عالم اليوم، فقد تطورت مفاهيمها بدرجة كبيرة. فبعد أن كانت ترتكز على مفهوم التمثيل الحكومى الرسمى بين دولتين، اتسع هذا المفهوم ليشمل الدبلوماسية الشعبية التى تتسع لأعضاء النقابات المهنية وممثلى الطوائف الشعبية والمجتمع المدنى . كما دخلت الثقافة بكل مكوناتها التى تمثل القوة الناعمة للدولة، إلى ساحة العمل الدبلوماسي، فزادته ثراء وقوة. وقد شاهدنا كيف تقوم السفارات الأجنبية المختلفة المعتمدة فى مصر باستقدام فرقها الفنية لإحياء العديد من المناسبات القومية. كما تقوم بعض السفارات بتنظيم أحداث ثقافية وفنية فى مواعيد ثابتة طوال العام.
ويقوم رؤساء البعثات الدبلوماسية ونوابهم بأدوار رئيسية فى توجيه دفة العمل فى سفاراتهم. وهنا يبرز دور السفير النشط الذى يجيد فهم مفاتيح الشعب الذى يمثل بلده لديه. ونشير هنا الى ما يقوم به سفير بريطانيا الحالى لدى مصر، السفير جون كاسن، الذى تتجاوز مهاراته حدود الوظائف الروتينية التقليدية للسفراء، فنراه ساعة يأمر بإحضار عربة فول الى داخل السفارة ، فى لفتة تشير إلى أنه يحب ويقدر الأكلة الشعبية الأولى فى مصر. ومن يحب طعامنا لابد لنا من أن نحبه. وفِى مرة أخرى يستضيف نجم الكرة الشاب رمضان صبحى قبل سفره الى لندن للاحتراف مع إحدى فرق الدورى الإنجليزى الشهير. ويقوم بتقليد صبحى فى حركة اشتهر بها وهى الوقوف على الكرة ويعترف له بأنها صعبة. ولكن الصعوبة الحقيقية هى ما يقوم به السير كاسن من المشى على حبل مشدود يربط بين العديد من المشاكل ليس أقلها مشكلة وقف الرحلات السياحية بين لندن وشرم الشيخ. ويشاركه فى المشى على نفس الحبل سفير روسيا فى القاهرة، حيث طالت فترة الحظر على رحلات روسيا الجوية إلى منتجع السياح الروس المفضل فى شرم الشيخ إلى ما يقرب من عامين رغم التطمينات الدبلوماسية المتكررة بقرب انتهاء الحظر. إن لغة الدبلوماسيين الناعمة، وأساليبهم السحرية، لن تفيد فى إلهائنا عن مصالحنا وإغرائنا بالنوم فى أحضان الدبلوماسية.