عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طارق تهامى يكتب:

عندما كان محامياً رفض الدفاع عن قاتل مقابل أموال طائلة وقال «أجرى على الله»

القاضى عضو هيئة المحكمة مصطفى النحاس رد على تجاهل رئيس الجلسة قائلاً: حكمك باطل لأنك لم تأخذ رأيى

قال لسكرتير فؤاد الأول: أبلغ الملك «بلاش» الأسلوب ده معايا وقل له كفاية عبث بالدستور

 

 

ما الذى يشعر به وحيد حامد الآن، بعدما قام عمداً، مع سبق الإصرار، على الاستعانة بشهادة مزيفة قامت على التدليس لكتابة واقعة درامية غير صحيحة.. هل ينام وحيد حامد مرتاحاً بعدما قام بنقل رواية كاذبة (أعجبته) تقول إن مصطفى النحاس زعيم الأمة، قام بتقبيل يد المللك فاروق، عقب (اكتساح) الوفد لانتخابات 1950!! هل يؤنبه ضميره، هل يشعر بوخذ يؤلم مهنيته التى أصيبت فى مصداقيتها بعدما قام بــ(دس) واقعة مزورة لا يعترف بها سوى حاقد على الوفد وكاره لمصطفى النحاس، وتخالف المنطق، وسياقها يقاوم تيار الوطنية العام الذى يؤكد أن النحاس، كان عدواً واضحاً للاستبداد، وكان مقاوماً للعبودية، ورافضاً لسياسات فاروق المتجاهلة للدستور!!

المنطق يقول إن مصطفى النحاس الذى كان نظام الملك يزور الانتخابات ضده مرات ومرات حتى لا يصل للحكم، لا يمكن أبداً أن يُقبل يد ملك البلاد، فى اللحظة التى فاز فيها بانتخابات البرلمان باكتساح.. كيف يفعلها وهو فى لحظة الزهو والانتصار للشعب، وهو الذى قاوم استبداد الملك واعتداءه على الدستور لعشرات السنين، وكان يتعرض حزبه، صاحب الشعبية الأولى، للإسقاط، عقاباً له على مواقفه الوطنية، التى ترفض بيع الوطن للملك، مقابل مقاعد لا تدوم، فى وطن لا ينسى مواقف، من باع ومن اشترى، ومن قام بتزييف التاريخ!!

المنطق أيضاً يقول، إن الواقعة التى لا يوجد شهود عليها، سوى حاقد على الوفد والنحاس... حاقد شهادته لا يؤخذ بها، وتتجاهلها المحاكم، ويلقى بها التاريخ، فى مكان معلوم، لمن يبحث عن النفايات، ويرغب فى الاصطياد، لتشويه رموز الوطن، ورجاله، الذين دفعوا الأثمان، فلم يهادنوا، ولم يعملوا بتعليمات، ولم يقولوا كلمات أو يسطروها، إلا لصالح الوطن، وليس لصالح الحاكم!! أما واقعة حسين سرى التى استند إليها وحيد حامد، فهى من ذلك النوع، الذى يُداس بالأقدام، ولا نردده، لأنه الزيف الذى لا يكتبه سوى  من كان يخشى من شعبية النحاس عقب حركة 23 يوليو عام 1952،  زيف تمت كتابته بمداد الحقد والعجز والكراهية... الكراهية لمن حاز على حب الناس، ذلك الرجل الذى يسمى مصطفى النحاس!!

أتذكر بعض الأحاديث التى جرت بينى وبين الكاتبة الكبيرة لميس جابر، منذ حوالى سبع سنوات، عندما كانت تكتب مقالاً اسبوعياً فى جريدة الوفد، وكان مسلسل «الملك فاروق» يسيطر على حجم المشاهدات، فى كل القنوات الفضائية، ولا أنسى أنها قالت لى شخصياً: لقد استغرقت فى كتابة المسلسل سبع سنوات كاملة، وعندما أبديت اندهاشى، قالت لى «أصل التاريخ الحديث مدسوس عليه وقائع مزيفة وأنا كان لازم أتأكد وأمارس التدقيق قبل الكتابة لأن دى مهمة لا تحتمل الإهمال» وعندما سألتها: ماذا تفعلين إذا وجدتِ وقائع تم سردها فى كتابات مختلفة ولكن بمعانٍ مضادة؟ قالت لميس جابر: أستبعدها فوراً، لأن التاريخ لا يعتمد على الاحتمالات!!

إذا كان وحيد حامد لا يعرف، كيف تتم كتابة التاريخ، وكيف يتم نقلها إلى مشاهد درامية تدخل لبيوت الناس، وإن كان لا يعرف من هو مصطفى النحاس، تعالوا نسرد له حكايات عن الزعيم، الذى عاش مرفوع الرأس لا يعرف الانحناء، فمات لا يجد ثمن الدواء!!

عاش «النحاس» معظم حياته معارضاً.. وذاق طعم الحكم لكنه لم يبع وطنه من أجل مقعد في البرلمان ولا رئاسة وزراء..  ثم قضى ما تبقى له من عمر مغضوباً عليه من الحكام الجدد..  لكنه أبداً لم يلن ولم يقل كلمة يحاسبه عليها التاريخ فقد كان مدافعاً صلداً عن الديمقراطية التي غابت شمسها- لأكثر من ستين عاماً- صباح يوم 23 يوليو 1952..  وعندما تُراجع سيرة «النحاس» السياسية ستجده قضى معظمها في صفوف المعارضة رغم أنه كان الزعيم الأوحد في زمنه..  وحزبه «الوفد» صاحب الأغلبية..  لكنه كان يفضل المعارضة بشرف على الحكم بخضوع!!

 

المحامى الشريف

مصطفى النحاس الذى بدأ حياته محامياً فى المنصورة، بعد تخرجه فى مدرسة الحقوق عام 1900 كانت له مواقف تاريخية موثقة، فعُرف عنه أنه لا يقبل الدفاع عن المجرمين، وكان يقول إن شعاره هو: الانتصار للمظلوم من الظالم. والمحامى الذى يمتلك هذه الأخلاق لا يمكن أن ينحنى لحاكم لتقبيل يده.. يحكى ابراهيم فرج باشا والذى كان يعمل محامياً (سكرتير عام الوفد من 1984 – 1994) حكاية مهمة عن مصطفى النحاس المحامى، فقد استقبل النحاس فى مكتبه، أحد الموكلين، وكان قريبه متهماً فى جريمة قتل، وبعد أن قرأ أوراق القضية التقى المتهم ليسأله عن ملابسات الحادث، ولكن مصطفى النحاس كان غريباً، فقد سأله:هل قتلت؟ أنا محاميك ويجب أن تقول لى الحقيقة.. فأقسم المتهم أنه لم يرتكب الجريمة، وبعد هذا القسم قبل النحاس الدفاع عنه، وذهب مرة أخرى مع أحد المحامين المتدربين فى مكتبه لزيارة المتهم، ولكنه شعر من كلام المتهم خلال الزيارة أنه متورط فى جريمة القتل، عندها أعلن النحاس رفضه الدفاع عن القاتل وأعاد مقدم الأتعاب وكان مبلغاً كبيراً، وعندما أبدى المحامى المتدرب دهشته من موقفه قال له «إننى أعمل فى المحاماة باعتبارها من الفنون وليس لأنها مورد للكسب أو الكسب الحرام وفى اليوم الذى يتعارض فيه عشقى لهذا الفن مع فضيلة من الفضائل فسوف أتخلى عنه فوراً ولو كان فى ذلك الفقر المدقع وكيف تريد من مثلى أن يقف أمام القضاء فيقول إن الرجل الذى قتل لم يقتل فيقلب الحقيقة ويقرر الكذب ويقول ما ليس مقتنعاً به، إننا نطالب المثل الأعلى ليس إلا، وأجرنا على الله».

هذا هو النحاس.. فكيف لمن كان أجره على الله أن يقبّل يد حاكم يقوم بتزويرالانتخابات ويدوس على الدستور؟!

 

القاضى النزيه

بعد مرحلة من العمل فى المحاماة، عمل مصطفى النحاس فى القضاء، وكان النحاس من أبرز رجال القضاء في زمنه..  وتصف الكاتبة سناء البيسي هذه المرحلة من حياته وصفاً مبدعاً عندما كتبت عنه في الأهرام يوم 8 سبتمبر 2007 قائلة: «دولة مصطفي النحاس.. الوحيد المتفرد علي أرض مصر أول من سبق اسمه لقب دولة..  كان لقاؤه الأول بسعد زغلول في عام 1909 عندما كان يشغل موضع العضو الشمال في إحدي الدوائر القضائية بمحكمة القاهرة في الدائرة التي يرأسها صالح حقي باشا،  وأثناء نظر إحدى القضايا مال رئيس الدائرة علي عضو اليمين وتحدث معه،  ثم مال علي عضو الشمال مصطفي النحاس وقال له باستخفاف: سنصدر حكماً بكذا،  فقال النحاس: أنا لي رأي آخر ويجب في هذه الحال الانتقال إلي غرفة المداولة..  ولكن حقي باشا لم يستجب لطلب النحاس ونطق بالحكم،  فما كان من الأخير إلا أن قال لكاتب الجلسة بصوت عالٍ وعلي مرأي ومسمع من جمهور المتقاضين وغيرهم من المواطنين داخل قاعة المحكمة: اكتب أنه لم يؤخذ برأي عضو الشمال في هذا الحكم.. وحدثت ضجة كبري داخل القاعة، ما اضطر حقي باشا إلي رفع الجلسة والانتقال إلي غرفة المداولة،  وترتب بعدها بطلان الحكم، ولم يجد حقي باشا ما يشفي غليله إلا أن يشكو النحاس إلي وزير الحقانية وقتها سعد زغلول الذي استدعي إليه النحاس لتكون المقابلة الأولي بينهما التي أسفرت عن اعتزازه بموقف النحاس،  فأصدر قراراً بنقله قاضياً جزئياً تكريماً وإعجاباً بشجاعته.

ويقول مصطفى النحاس معلقاً على هذه الواقعة: «لقد كان الأثر الوحيد الذى ترتب على هذا الحادث هو صدور قرار سعد زغلول باشا (وزير الحقانية) بنقلى قاضياً جزئياً ويخطئ من يظن أن هذا النقل يعتبر من قبيل العقوبة ولكن على العكس كان هذا النقل تكريماً وإعجاباً بشجاعتى وموقفى ذلك، لأن القاضى الجزئى يتم اختياره لشخصيته وكفاءته وقدرته على إدارة الجلسة بمفرده ولديه من العلم والمعرفة ما يجعله مستقلاً بالفصل فى الدعاوى المنظورة أمامه».

فهل تصدق أن صاحب هذه الشخصية الشجاعة يقوم بتقبيل يد الحاكم بعدما اصبح قائداً للوفد وزعيماً للأمة؟

 

الزعيم الصلد

كان مصطفى النحاس شديد الصدام بالملك فؤاد فكيف يقوم بتقبيل يد نجله فاروق؟ وكانت معاركه معهما هدفها الحفاظ على الدستور والحفاظ على المكاسب الوطنية والشعبية التى حققتها ثورة 1919 وكان الصدام الأول مع الملك فؤاد يوم 24 يونيو 1928 عندما ذهب رئيس الديوان الملكى محمد توفيق نسيم لمقابلة رئيس الوزراء ، رئيس حكومة الأغلبية، مصطفى النحاس، بعد أن ساءت العلاقة بين الملك والنحاس، بسبب رفض النحاس لاعتداءات الملك المتكررة على الدستور، وبمجرد دخول محمد توفيق نسيم إلى مكتب النحاس أدرك زعيم الأمة سبب الزيارة، فقال فوراً لمحمد نسيم:

«إذا كنت جاى تطلب منى تقديم استقالتى... أنا لن استقيل... لأننى حاصل على ثقة الأمة وأنا لن أعبث بهذه الثقة.. وإذا كنت جاى تقول لى إن الملك هيقيلنى فيا ريت تقول للملك بلاش يلجأ للأسلوب ده معايا لأن ده معناه العبث بالدستور». وانتهت المقابلة وفى اليوم التالى أقال الملك فؤاد حكومة النحاس!!

فهل الذى تحدى الملك الأب وواجه عبثه بالدستور يمكن له أن يقبل يد نجله؟ قطعاً... لأ... لقد وصلت مرحلة كرامة الزعيم واعتزازه بشعبيته مرحلة لا يصدقها العقل عندما تمسك بحقه الدستورى كرئيس للوزراء سنة 1937 بالاعتراض على قيام الملك فاروق (الذى يدعى حامد تقبيل النحاس ليده) بتعيين مهندس كهربائى بالقصر الملكى دون استئذان الوزارة، وكتب برقية للديوان الملكى قال فيها (إن هذا التعيين أمر لا يملكه الملك إنما هو حق الوزارة دون سواها كما يقضى بذلك الدستور).

هذا هو النحاس الذى لا يعرفه وحيد حامد... النحاس الذى مات منذ 52 عاماً ومازال يجد من يدافع عنه وعن سيرته ونزاهته وتاريخه الناصع.