رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

علي الهوا

لكل مهنة «ذاكرة» تتمثل في تاريخ مروي أو مكتوب وخبرات تنتقل من جيل إلي جيل. وبقدر وضوح هذه الذاكرة وسلامتها وعدم التشويش عليها تنجح المهنة التي حافظت علي ذاكرتها في أن «تستمر في النمو والتقدم. وبمفهوم المخالفة فان «المهنة» التي لا تحافظ علي ذاكرتها بالتسجيل الأمين لتاريخها وبالحرص علي نقل خبرات الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة، مثل هذه المهنة ستظل تتخبط في تجارب، الكثير منها يفشل والبعض ينجح،  ثم نكتشف بعد فترة أن هذا الفشل أو ذلك النجاح سبق وأن حدث في فترات سابقة.

رغم أن ما ذكرته أمر بديهي  فإنني مضطر  لتكراره لأنني أري أننا أمام حالة صارخة لمهنة لم توثق تاريخها مكتوباً أو مسجلاً ليكون «الذاكرة» التي تعود اليها الأجيال المتعاقبة، ولم يفكر المسئولون عنها في  تسجيل هذا التاريخ أو في تنظيم عملية نقل الخبرات بين الأجيال المتعاقبة، أتحدث هنا عن مهنة «الإعلام المرئي والمسموع» في مصر. وأعتقد أن ما تشهده الساحة الاعلامية من فوضي عارمة يعود بنسبة كبيرة إلي غياب هذه الذاكرة.

ولو قارنا هنا بين جهتين تمارسان نفس المهنة «الإعلام» وأعني بهما الصحافة «الاعلام المطبوع» والاذاعة والتليفزيون «الاعلام المرئي  والمسموع» لو قارنا أحوال الجهتين فسوف نلاحظ فروقا واضحة وهامة لعل أهمها أن الصحافة «الإعلام المطبوع» وثقت تاريخها وقامت نقابة الصحفيين بدور هام في هذا التوثيق وفي حفظ ذاكرة الصحافة وحرصت علي تنظيم كل ما يسمح بنقل الخبرات بين الأجيال المختلفة.

في ثمانينيات القرن الماضي  حاول المسئولون باتحاد الاذاعة والتليفزيون البدء بكتابة «تاريخ الاذاعة» وتم تكليف أحد المذيعين المرموقين، وهو من الرواد  الأوائل للاذاعة «الأستاذ محمد فتحي» تم تكليفه بكتابة تاريخ الاذاعة عكف الرجل علي هذا العمل مستعيناً بكل ما يمكنه من أداء هذا العمل بدقة وأمانة. واصطدم يومها برغبات بعض المسئولين لكتابة تاريخ  الاذاعة بطريقة انتقائية والتغاضي عن بعض الأحداث وتجاهل بعض الرواد. يومها  رفض الرجل هذا التوجه وأصر علي أن يسجل تاريخ الاذاعة المصرية بأمانة سواء ما تعلق بالأحداث أو بالأشخاص.

وكان للرجل ما أراد إلا أن المشروع توقف بعد الكتاب الأول، بل والأخطر أن هذا الكتاب الأول لم يستطع محمد فتحي أن يقنع المسئولين بتعميمه علي العاملين والاستمرار في المشروع. وهذا الكتاب لا أحد يستطيع الحصول عليه إذا كان لم يزل موجوداً.

بعد ذلك اعتمد المسئولون عن اتحاد الاذاعة والتليفزيون علي إصدار«كتاب سنوي» يطبع طباعة فاخرة وكل كلمة فيه تتحدث عن «انجازات» سيادة  الوزير ورعاية رئيس الجمهورية تكلفت هذه الكتب مئات الآلاف من الجنيهات ولا تمثل أي قيمة تاريخية.

ومع غياب هذا التوثيق الأمين لتاريخ الاذاعة والتليفزيون قام عدد من العاملين بجهود فردية وأكثرها ـ للأسف ـ تتمحور حول شخصية من كتب هذا التاريخ والكثير من هؤلاء لم يتمكنوا  علي ما يبدو سواء بقصور انساني طبيعي أو برغبة في الكتابة بطريقة معينة، ، لم يتمكن هؤلاء من كتابة تاريخ حقيقي وأمين للاذاعة والتليفزيون في مصر.

هذا الغياب لذاكرة الاذاعة والتليفزيون أراه أحد الأسباب الهامة التي ساهمت في حالة الفوضي التي تسود الاعلام  المرئي والمسموع في مصر العام منه والخاص علي السواء فقد نشأ الاعلام المرئي والمسموع  الخاص من رحم اتحاد الاذاعة والتليفزيون. وبغير كتابة أمينة لتاريخ الاذاعة والتليفزيون ستظل هذ المهمة «بغير ذاكرة».