رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رنين صوتها الواثق وهى تنطق بشعار الإذاعة المصرية «هنا القاهرة» والإلقاء الرصين وهى تقرأ نشرة الأخبار أو تقدم البرامج، وهالة الوقار التى تحيط بها والقدرة الاستثنائية على أن تشعرك ـ رغم كل ذلك ـ بالألفة والتواضع والقدرة على التواصل الإنسانى المشحون بكل مشاعر الود، هذه هى «عواطف البدرى» كما رأيتها أول مرة منذ أكثر من نصف قرن، وهكذا ظلت على هذا الحال لم تتغير حتى لقيت ربها راضية مرضية منذ أيام.

صورة اللقاء الأول لم تزل نابضة بالحياة.. كنت أجلس بأحد استديوهات «الهوا» فى مبنى الاذاعة المصرية بشارع علوى أنتظر بدء البث لفترة الظهيرة بإذاعة صوت العرب. كنت أشعر بالرهبة، فهذه هى المرة الأولى التى اشارك فيها فى تقديم بعض فقرات البرامج، ولن تزيد المشاركة عن النطق بشعار الاذاعة «صوت العرب من القاهرة».

أتابع بقلق عقارب ساعة الاستديو، وكلما اقترب موعد بدء البث حاصرتنى مشاعر القلق والرهبة. اقتربت لحظة البداية ودخلت إلى الاستديو المذيعة التى ستتولى تدريبى العملى

بخطى واثقة تشيع جوًا من الوقار دخلت «عواطف البدرى» وقفت لأحييها فتدفقت مع ابتسامتها الهادئة موجات من مشاعر انسانية فى ثنايا عبارات من التشجيع أزالت الرهبة التى كانت تسيطر علىّ.

لحظات من التعارف السريع بين الاستاذة والمتدرب ثم بدأت فترة الظهيرة، تابعت بكل الانبهار الأستاذة عواطف وهى تقرأ نشرة الأخبار بصوتها الواثق وأدائها الرصين، لم يكن يسمح للمتدرب بأكثر من النطق بشعار الاذاعة، كان الأستاذ أحمد سعيد مدير صوت العرب يقدم «كفاح العرب» ونادية توفيق تقدم أغانى عربية وكنت المذيع الوحيد من الدفعة الجديدة الذى انضم إلى صوت العرب ولهذا كانت نشرة فترة الظهيرة يقرؤها أحد مذيعى البرنامج العام، وكنت أتلقى التدريب العملى على يد المذيعات والمذيعين القادمين من البرنامج العام، وكان اللقاء الأول هذا الذى اشرت إليه مع الأستاذة عواطف البدرى.

كان لتشجيع عواطف البدرى أثره الكبير فى مسيرتى المهنية فضلاً عن مواقف انسانية رائعة تكشفت خلال أزمات وظيفية عديدة واجهتها خلال عملى بالإذاعة المصرية.

بدأت الأزمات الكبرى بعد بضعة شهور من الالتحاق بالعمل مذيعاً بصوت العرب ثم مذيعاً بالبرامج الموجهة وبلغت الأزمة ذروتها باعتقالى ومكثى لسبعة شهور بالسجن الحربى.. وعدت إلى الاذاعة لأستشعر مناخًا من الحذر فى التعامل معى، وكان الاستثناء شعورًا بمودة خالصة من عدد من الزميلات والزملاء فى مقدمتهم أحمد سعيد وعواطف البدرى، ثم عادت الأزمات من جديد عندما تم فصلى بقرار جمهورى أصدره الرئيس السادات.. يومها اتسعت دائرة من آثروا الابتعاد، وبقيت قلة من الزميلات والزملاء الذين احاطونى بتعاطف انسان إزال مرارة العسف الذى تعرضت له.

وكانت أستاذتى عواطف البدرى فى مقدمة من حافظوا على علاقة المودة متحدية ظروفاً صعبة دفعت الكثير من الزميلات والزملاء للتنكر لكل العلاقات الإنسانية، وتمضى الحياة وأواصر المودة تزداد قوة والشعور بالعرفان لأستاذتى عواطف البدرى يتصاعد وهى كما هى لم تتغير، العلاقات الإنسانية عندها راقية وصافية، والمودة الخالصة تبذلها للجميع بسلاسة، وعطاؤها الإنساني السخى تبذله لكل من يحتاج إلى هذا العطاء.

اليوم وأنا أودع استاذتى وزميلتى وصديقتى عواطف البدرى، وهى تترك دنيانا التى لم تعد تتناسب مع كل ما تمثله من عواطف صادقة وكبرياء يخالطه التواضع الجم، ووقار يمتزج بالبساطة، ونقاء لا يكدر صفوه شوائب، وعفة لسان لم يتسلل إليها لفظ فاحش أو كلمة سوقية، اليوم أودع هذه المعانى كلها وأنا أودع من جسدت كل هذه المعانى فى سلوكها طوال حياتها.