رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أيام تتباعد عن أيام, ودنيا غير الدنيا, إلا أن التجربة الإنسانية لا تنقطع, وكم تمنيت كما يتمنى الكثير منا.. أن يبقى دائماً حولنا من تعلقنا بهم وأسهموا فى تكوين وتشكيل وجداننا ومشاعرنا وأفكارنا, ولكنها طبيعة الحياة, فمن يرحلون بأجسادهم ويفارقون الدنيا, لم يعد فى إمكان أحد منهم أن يعود ليزورنا ويجلس ويتحدث معانا إلا فى عوالم الفكر والتأمل.

ولعلى على يقين تمام بأن التاريخ لا يعيد ولا يكرر نفسه، كما هو متداول أحياناً من قول, وذلك لاختلاف ظروف وأحوال الناس والأمم من حين لآخر, وقد يختلف البعض منكم معى فى ذلك, ولكن ما لا أعتقد أنه محل خلاف بيننا جميعاً هو أن للتاريخ قوانين, وأن تلك القوانين تعمل أحكامها إذا تجمعت العوامل والعناصر التى تستدعى مثل هذه الأحكام, وانه عن طريق استقرأ قوانين التاريخ, يصبح علم «التاريخ» هو علم الماضى والحاضر والمستقبل.

ولن نبعد كثيراً عن التاريخ ولكن تعالوا نعود للحاضر ونستكمل سوياً الجزء الرابع والأخير من جلستى الخيالية مع أديبنا الكبير نجيب محفوظ, تلك الجلسة التى ربما أردت أن تكون أشبه بمحاولة لإلقاء بعض من الضوء على بعض مما ورد فى «تاريخ» نجيبنا المحفوظ, لإبقاء الحبل موصول ما بين ماضيه الجميل وحاضرنا المربك بكل أسف.

ويستكمل أستاذى حديثه لىّ قائلاً.... ودعنى أحدثك أيضاً عن «الوطنية» هذا المعنى الذى علمنى إياها الشيخ «عجاج» أستاذ اللغة العربية.... فالشيخ «عجاج» لم يكن مدرساً للعلم فقط, بل كان معلماً للوطنية أيضاً فقد كان أحد الأسباب المباشرة التى جعلتنا نحن التلاميذ ننفعل بثورة 1919 ونعشق زعيمها سعد زغلول, فقد كان الشيخ من دعاة الثورة, وكثيراً ما كان يستشهد فى دروس اللغة العربية بمواقف وأقوال زعمائها.. وأتذكر معكى يا «هبة» انه ذات مرة ثار ثورة كبيرة وانفعل على زميل لنا من أبناء الذوات (كما كان يقال على أولاد الباشوات والبهاوات) لأنه رفض الخروج معانا فى إحدى المظاهرات, وعلى ما أعتقد أن أسرته كانت قد حذرته من المشاركة فى المظاهرات أو الخروج من المدرسة مع الخارجين, المهم أن الشيخ «عجاج» أعطاه قسطاً هائلاً من التوبيخ والتعنيف واتهمه بالخنوع وقلة الوطنية, وقال له فى غضب شديد: (زملاؤك يعرضون أنفسهم للموت من أجل استقلال الوطن, وأنت جالس هنا.... إنك تأتى المدرسة من أجل جرس الفسحة)!

وقد حدث مرة أن حاصر البوليس مدرستنا فى عهد حكومة إسماعيل صدقى باشا فدخل التلاميذ إلى المكان المخصص للطعام وأخذوا منه السكاكين والملاعق والأطباق والأوانى لمقاومة قوات البوليس, ومنعهم من اقتحام المدرسة, وكان أن عاقبتنا الإدارة بالحرمان يومها من وجبة الغذاء, وكم تألمنا من هذا العقاب!

وكان الوقت قد مر سريعاً... تنهد أستاذى من قلبه بعد لحظة صمت... ثم عاد يتنهد بعدها مرة أخرى بعد هذا الصمت, ثم لمعت عيناه وهو ينظر إلىّ وهو يبتسم ابتسامته التى لمست قلبى.... ولست أعرف وقتها لماذا أحسست أن عينيه مرت بهما سحابة حزن... ولربما ندرك جميعاً سببها الآن.