قال الرئيس في أثناء مؤتمر شباب أسوان، إن ارتفاعات الأسعار لن تستمر طويلاً، وأن الدولة تعمل حالياً على خلق مسارات متوازية تضمن توفير السلع بأسعار مناسبة للمواطن!
ولم يكشف الرئيس أثناء كلامه عن طبيعة هذه المسارات الموازية، ولا عن الموعد الذي ستبدأ العمل فيه، ولكن يبدو أنها قريبة من حلول مماثلة كان الرئيس قد طرحها وقت ترشحه للرئاسة!
وقتها كان قد قال إنه يتعهد بعد فوزه، بتوفير عربات صغيرة للشباب، يمكن لأي شاب أن يتحرك بها بسهولة من مكان إلى مكان، ويمكن أن تحقق الدولة من خلالها هدفين في وقت واحد: الأول إتاحة فرص عمل للشباب، والثاني تضييع الفرصة على الوسطاء المتاجرين بأقوات الناس!
وهي فكرة ممتازة تمنيت من جانبي لو أن الرئيس ذهب إلى تنفيذها فور فوزه من أقصر طريق، وتمنيت لو أنه تمسك بها، وحرص عليها، لولا أن صعوبات كبيرة فيما يظهر قد وقفت في طريقها!
وعندي أمل في أن تكون هذه الفكرة ذاتها، هي التي يقصدها الرئيس بحديثه عن المسارات الموازية، لأنها كفيلة لو تحققت على الأرض بخفض أسعار سلع كثيرة أساسية الى أقل من نصف أسعارها الحالية!
وكان المهندس شريف إسماعيل، رئيس الحكومة، قد عقد أكثر من لقاء مع عدد من أصحاب الرأي، قبل أن تتقدم حكومته ببرنامجها إلى البرلمان العام الماضي، وكان الهدف هو الاسترشاد بمختلف الآراء، في اتجاه أن يكون أداء الوزارة أفضل في أعين المواطنين، وعندما جاء دوري في لقاء منها، صارحت المهندس «إسماعيل» بأنه في حاجة الى العمل وفق أولويات محددة، وأن قضية الأسعار من القضايا المؤرقة جداً لغالبية المصريين، وأنها تستحق بالتالي أن تكون من بين أولوياته في الحركة، وأن مثل هذه الحركة لن تؤدي الى حصيلة على الأرض يحس بها المكتوون بنار الأسعار، إلا إذا كان التركيز كله فيها على الحلقة الوسطى بين المنتج للسلعة، وبين مستهلكها!
إن أي سلعة، خصوصاً إذا كانت من بين منتجات الأقاليم خارج القاهرة، تُباع للمستهلك بأربعة أضعاف سعرها لدى منتجها، لأن هناك أكثر من وسيط تنتقل من خلالهم، من مكان إنتاجها إلى محل استهلاكها، وهي لا تخرج من بين يد أي وسيط منهم، إلا بعد أن يكون قد ضاعف سعرها، ليحقق أكبر ربح ممكن في جيبه، وهكذا من حلقة الى أخرى، حتى نجد أنفسنا في النهاية أمام ضحيتين اثنتين: المنتج الذي باعها برخص التراب، والمستهلك الذي اشتراها مُرغماً، وبالسعر الذي يجده مفروضاً عليه!
القصة كلها في هذه الحلقات الوسطى بين منتجي السلع، وبين مستهلكيها، وإذا تمكنت الدولة من السيطرة عليها، تمكنت من توصيل السلعة إلى مستهلكها، بسعر معقول، ولا نقول بسعر مثالي، بدلاً من هذه الأسعار المضروبة في ثلاثة، وفي أربعة، وأحياناً في خمسة!
أياً كانت المسارات، أو البدائل، التي قال الرئيس إن الدولة تعمل عليها، فلابد أن تكون فكرة الأسواق التي تبيع من المنتج للمستهلك، مباشرة، في القلب منها، فهذه الأسواق وحدها هي القادرة على اختزال الخطوات الكثيرة، والمتعرجة، بين كل منتج، وكل مستهلك، في خطوتين!