الكلام الذي صدر عن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، في حفل تنصيبه، لم يخرج عن رئيس أمريكي جديد أو قديم، من قبل، ولا أحد يعرف كيف سيتعايش «ترامب» مع الطبقة السياسية في البلد، بعد ما قاله عنها في حفل التنصيب علناً؟!
مما قاله.. مثلاً.. أن مجيئه إلى الحكم في البيت الأبيض، ينقل السلطة ليس من حزب، إلى حزب، كما جرت العادة دائماً، ولا من إدارة إلى إدارة أخرى، كما اعتاد الأمريكان، على مدى تاريخهم كله، ولكن من الإدارة السابقة عليه، أي إدارة «أوباما»، إلى الشعب بشكل مباشر!
ولأمر ما، لم يشأ أن يُسمي إدارة «أوباما»، وهو يُلقي كلمته، فقال إن السلطة معه سوف تنتقل من واشنطن إلى الشعب، ليبقى مفهوماً بالطبع أن المقصود بكلمة واشنطن في حديثه، هو سلفه «أوباما»، ولا أحد غيره، وإدارة «أوباما»، ولا إدارة غيرها!
ولم تتوقف مفاجآته عند هذا الحد، وإنما راح يضيف أن طبقة صغيرة ظلت تستأثر بفوائد الحكم في واشنطن، دون غيرها، وأن الشعب الأمريكي خارج واشنطن العاصمة كان يتحمل التكلفة، بغير أن يشارك في الثروة، وأن الطبقة السياسية في العاصمة ظلت لفترات طويلة تجمع الثروات وتحمي نفسها!
طبعاً لا يقصد «ترامب» نقل السلطة إلى الشعب على طريقة العقيد «القذافي» يرحمه الله، فلقد جاء وقت على العقيد كان كلما سأله أحد عن شيء يخص الحكومة، طلب أن يعود السائل إلى الشعب ليسأله، لأنه هو الذي يحكم!
ويروي الدكتور عبدالقادر حاتم في مذكراته الصادرة مؤخراً، أنه لما ذهب إلى ليبيا ذات يوم، مبعوثاً لـ«القذافي» من الرئيس «السادات»، فوجئ بطبيب مصري يعمل هناك يستغيث به، وقد فهم من الطبيب أنه يعمل مديراً لمستشفى، وأن عدداً من الليبيين هاجموا المستشفى باعتبارهم من الشعب الذي يحكم، وأنهم وضعوا تمرجياً على رأس المستشفى يديره، لأنه، يقصد التمرجي، واحد من الشعب الذي نقل «القذافي» السلطة إليه!
شيء عبثي كهذا لا يقصده «ترامب» أبداً، وغالب الظن أنه يرى نفسه واحداً من الشعب، وأنه إذا كان يحكم، فالشعب بالتالي هو الحاكم!
ولابد أنه كلام صحيح إلى حد بعيد من الناحية النظرية على الأقل، لأن «ترامب» جاء من خارج الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، اللذين يتبادلان الحكم باستمرار، وإذا كان قد فاز عن الحزب الجمهوري، فليس ذلك لأنه كادر من كوادره، ولأنه تربى فيه منذ صغره سياسياً، ولا شيء من هذا تماماً، فكل ما في الأمر أنه هبط على الحزب بالبراشوت، بعد أن أعلن ترشحه للرئاسة في يونية 2015!
لم يكن «ترامب» سياسياً في أي يوم، وكان إلى لحظة إعلان ترشحه، رجل أعمال وفقط، ولذلك فهو رئيس فريد من نوعه حقاً، وسوف نرى ما إذا كان سيستطيع أن يطوع الطبقة السياسية بالفعل، ويذهب بالسلطة بعيداً عنها، أم أنها هي التي ستطوعه؟!
وما يهمنا في كلامه أن العلاقة التي يريدها بين عاصمته، وبين أبناء الولايات خارجها، هي تقريباً العلاقة التي نريدها من سنين، بين القاهرة وبين المحافظات، فلا يزال الإحساس لدى المواطنين في كل محافظة، أنهم يتحملون التكلفة، وأن القاهرة هي التي تحوز الثروة، وأنهم محرومون من عوائدها! فكأن «ترامب» كان يتكلم عنا!