رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يجب تعزيز قوات الاتصال مع أبنائنا خارج البلاد

مبادرة وزيرة الهجرة تفتح الطريق لجذب العملات الصعبة

مطلوب تشجيع المصريين لتحويل مدخراتهم إلى البنوك الوطنية

لابد من تحفيز العقول المهاجرة للمساهمة فى مسيرة تنمية الوطن الأم

 

بالرغم من ظروف مصر الاقتصادية الصعبة.. فإنه يمكن القول إن الدولة لم تبخل فى رعايتها للمصريين بالخارج، بل امتد ذلك فى دستور مصر، وفى تمثيلهم فى مجلس النواب، وفى توفير الخدمات لهم عن طريق السفارات.. فى الوقت الذى لا ينكر فيه أحد من المصريين بالخارج الذين ارتبطوا بالوطن- أن هناك دوراً ما عليه تجاه مصر وترابها، وأهلها، ورفعتها، وعزتها.. وأحوج ما يمليه الواقع الحالى بل ما يمليه حق مصر عليهم هو امتداد هذا الدور إلى آفاق عطاء شاملة فى سبيل تنمية مصر..

وهناك كثير من الدول التى حصدت عطاءً خلاّقاً من قِبَل أبنائها بالخارج.. والهند مثلا اعتمدت على أبنائها فى الخارج فى العديد من اساليب تنميتها، وكان لهم الفضل فى نقل التكنولوجيا وفتح آفاق العمل مع كثير من الدول الغربية ودول العالم، بل وصارت تحويلات الهنود من الخارج إلى الهند مليارات لا تحصى.. بالإضافة إلى فضلهم فى النمو المطرد فى مجالات تكنولوجيا الاتصالات والحاسبات.. ولقد شاهدت ما حدث فى قطاع الدواء فى الهند والذى صار شامخاً على الرغم أن الهند بدأت فى تصنيع الدواء بعد مصر ولكنها استطاعت بخطوات ثابتة أن ترسم استراتيجيات طموحة للتصنيع وآفاقاً متطورة فى سياسات تسويق الدواء فخلقت صناعات ناجحة للخامات الدوائية، ونالت ثقة كبيرة فى المنتج وجودته ومطابقته للمواصفات العالمية وارتفعت صادراتها للولايات المتحدة وحدها بما يفوق العشرين مليار دولار سنويا.. هذا التطور صنعه الهنود سواء العائدون من الخارج لبلادهم أو المقيمون بالخارج دون أن ينقطعوا عن بلدهم الهند.. وهناك الكثير من المؤسسات الدوائية التى تملك مصانع فى داخل الهند وخارجها مما خلق ركائز لهم فى العديد من البلاد.. هذه الدروس المستفادة يجب أن تضعها مصر على خريطة أولوياتها فالهند ما زالت تعد من الدول النامية عالية الكثافة السكانية مثلها فى ذلك مثل مصر، والفرق هنا أنها نَعَم دولة نامية ولكنها مجتهدة ودؤوبة، اهتدت إلى نقاط قوتها وعلى رأسها كانت القوى البشرية لها، وبالعلم والإصرار والتنمية والإبداع حولتها إلى مصادر الثروات والنجاحات الاقتصادية والصناعية والتجارية لها.. نحن نأمل فى دور سبّاق للمصريين بالخارج يعتمد على التقاط الخيوط لنقاط القوة الواعدة فى مصر والتى يمكن أن يُرتَكَزْ عليها فى تحقيق التقدم على محاور متعددة منها التصنيع والتسويق والتعليم والتدريب والسياحة وغيرها من محاور التنمية.. لدينا ثروات معطلة فى مصر ومصانع متوقفة وإمكانيات عالية تحتاج إلى خطوات فعالة لتصبح مبشرة ومحققة للنجاح من خلال الخبرات المصرية والأجنبية.. نحن فى حاجة إلى شراكة بين المصريين فى الخارج والداخل لتعظيم الاستفادة من الثروات البشرية المصرية والتى كانت على مر العصور صانعة للحضارة والتقدم.

والمعادلة التى تضم فى شقيها مصر والمصريين بالخارج يلزمها خيوط اتصال، وقد يبدأ الأمر ببناء قاعدة معلومات تكون متاحة للخبرات فى داخل مصر تقوم من خلالها بتفعيل التواصل مع الأبناء بالخارج.. وخيرا فعلت وزيرة الهجرة عندما شقت الطريق للتواصل مع المصريين بالخارج، واستمعت لهم فى العديد من الدول، وقرأت أفكارهم حينما طرحت مبادرتها فى فتح الطريق لجذب العملة الصعبة إلى داخل مصر من خلال وديعة يضعها المغترب فى البنك لمدة مقبولة مقابل إعفائه من الجمارك عند إحضار سيارته من الخارج، وأزعم وجود ضوابط أخرى تضمن البعد عن باب الاستغلال والممارسات التجارية غير الصحيحة.. وزيرة الهجرة تفكر بطريقة غير نمطية لإنقاذ الجنيه المصري.. وبحيث يدخل الدولار لمصر «طواعية» وبطريقة شرعية.. والدنيا كلها فى الشرق والغرب تقوم على سياسات التحفيز، ولذلك تجد الدول تتنافس فى مجالات مثل السياحة والطيران وغيرها بسياسات تحفيزية غير تقليدية.. وبالطبع هناك وجهات النظر المختلفة التى أثارها ذلك الاقتراح بما له من زيادة حصيلة العملة الصعبة للاقتصاد المصري.. وما عليه من آثار مثل تكدس السيارات والتلوث والمردود الاقتصادى ومحاذير أخرى، وعلى الجانبين فلابد بالطبع من الدراسة المتكاملة للأمر، وإن كنت أرى أن مجرد التفكير فيه يعد محاولة إيجابية للتواصل مع المغتربين.. وأنا هنا لا أناقش هذا الاقتراح بالتحديد أو تطبيقه من عدمه، بل الأعم من ذلك هو الموضوع الهام عن «الشفرات» التى بفكها تنفتح عقول وقلوب المغتربين وتمتد أيديهم ليكونوا عماداً لمصر اجتماعياً وتعليمياً وبصورة ملحة اقتصادياً.

كيف نجذب المصريين بالخارج للتحويل إلى البنوك الوطنية المصرية.. كيف نسهل عملية التحويل والصرف فى الحال.. وكيف نخلق نظاما جديدا يضع الحوافز لهذا التحويل.. وتلك الحوافز قد تكون اقتصادية أو اجتماعية لكنها ترتبط بمقدار ما يحوله ويقوم بادخاره من عملة صعبة فى داخل البنوك الوطنية، وأصر على البنوك الوطنية حتى تكون هناك صبغة قومية تحرك بداخلهم النوازع الوطنية التى تكمن فى كل مصري.. وهناك العديد من الطرق لجذب مدخرات المصريين بالخارج كمساهماتهم فى المجالات الواعدة بمصر وعلى أجهزة مصر التعريف بذلك والتسويق له.. وبعض من المصريين بالخارج رجال اعمال ناجحين وأساتذة متفوقين وعلماء مبدعين لكن لم تتح لهم الفرصة لإظهار قدراتهم وعطائهم خاصة اننا لا نعترف إلا بأسماء محدودة كرموز ناجحة للمصريين بالخارج.. ولكن نتجاهل الكثيرين.

الأمر إلهام والحيوى الذى يجب أن نركز عليه هو كيف نستفيد من العلماء والأطباء والباحثين ورجال الأعمال فى الخارج.. كيف نجعل منهم قوة تدريبية لصقل شباب المصريين الذين صَعُبَ عليهم الوصول إلى منافذ التدريب الدولية.. كيف تربط هؤلاء بالوطن الأم فى مسيرة جدية وفى عمل منظم لرعاية الشباب وتبنى الموهوبين- وما أكثرهم فى مصر- وأيضا زيادة كفاءتهم.. وهناك مصريون بالخارج سيسعدهم بأن مصر ترغب فى معاونتهم وأنهم مشاركون فى مسيرة التنمية.. قوة ضاربة تستطيع أن يكون لها وضع خلاق بالداخل والخارج.. وفى تصورى ان وجود قاعدة البيانات المدققة عن المصريين بالخارج يعد الركيزة الأساسية لهذا العمل ويمكن إتاحة هذه المعلومات للاستفادة منها فى المؤسسات والجهات المختلفة وطبقاً للمجال والتخصص.. وأنا لا أتوقع الكثير من المؤتمرات التى تشعل الحماس لأيام معدودة وتمر دون نتائج محسوسة أو متابعة أو استمرارية.. ربما الأجدى من ذلك وجود هيكل تنظيمى لديه قاعدة البيانات ويعمل كحلقة وصل ينسق بين متطلبات المؤسسات فى مصر وأولويتها ثم خلق شراكة لها مع الخبرات المصرية بالخارج.

إن نقل وتطويع التكنولوجيا يعتبر أساساً للتنمية فى كل الدول، وكثير من المصريين يعملون فى قطاعات التكنولوجيا المختلفة ويعاصرون التطور السريع لها.. بعض من هؤلاء برعوا فى عملهم الخاص بالخارج، فى مصانعهم أو مؤسساتهم وبعضهم أساتذة فى الجامعات والجميع يؤمن بحق مصر عليه، والجميع يرغب فى المساهمة الفعالة، والمطلوب هو عملية تنظيم وترتيب لجعل الأفكار من داخل وخارج مصر تنصهر فى بوتقة واحدة من اجل القدرة على استخدام التكنولوجيا المتطورة باقتصاديات محكمة وجعلها فى متناول مصر.. إننى على يقين أن ذلك سيعظم الفائدة فى كثير من المشروعات القائمة، فقد أثبتت الدراسات أن كثيرا من الدول النامية قد تكلفت الكثير فى نقل التكنولوجيا ولم يكن لها المردود الاقتصادي.. ومن هنا يأتى دور ناقلى الخبرة من العاملين بالخارج من أبناء مصر..

والتدريب قضية خطيرة وهامة جدا.. إن الشهادات العليا لا تستطيع خلق مهارات أو إعطاء الخبرات لأبنائنا ولذلك نحن فى حاجة ماسة إلى مواقع معترف بقدراتها على التدريب.. وفى الماضى كانت هناك العديد من الدول الغربية التى ترحب بالمصريين للحصول على الدرجات العلمية والتدريب، ولكن الدنيا تغيرت لأسباب تخص المنطقة بالشرق الأوسط، يضاف اليها التنافس العالمى ودخول النمر الآسيوى بضراوة لساحة التنافس وزيادة تكلفة التدريب ولغيرها من أسباب.. وأرى أن ترتبط برامج مصر التدريبية مع المصريين بالخارج والاستفادة من المواقع المميزة التى يعملون بها وقدراتهم على إلحاقهم بهذه البرامج.. وعلى الوجه الآخر يجب أن تستقطب المراكز المصرية العلماء والأطباء والصناع ممن تدربوا بالخارج ليقوموا بتدريب المصريين فى المراكز المختلفة تعويضا عن صعوبة وعبء تكلفة التدريب بالخارج.. وخلال عملى بوزارة الصحة فتحنا الباب لما يزيد على ثلاثمائة من المصريين بالخارج ساهموا فى نقل خبراتهم إلى مصر، وكان لهم أعظم الأثر فى تنمية الخدمات الصحية بالوطن.. وأيضا قمنا بتفعيل أسلوب التوءمة فى التخصصات المختلفة.. فمثلاً ربطنا جراحة القلب بمصر مع جامعة جلاسجو ببريطانيا وجامعة بيتسبرج بالولايات المتحدة، مما شكل انطلاقة فى التخصص، وأصبحت نتائجنا فى مصر آنذاك لا تقل عن المستويات العالمية.

وهناك مجال هام وحيوى وهو السياحة.. كيف نجذب المصريين وعائلاتهم وأصدقاءهم بالخارج ليقضوا إجازاتهم بمصر.. كيف يكون لهؤلاء المصريين مزايا مع مصر للطيران وفى الفنادق المصرية.. وتلك الشركات تخفض من أسعارها على الانترنت وتقبل التعاملات بسهولة، ولكن لو كلمت الشركات أو الفنادق وتبين لهم أنك تتحدث العربية ومصرى فأنت مذنب حتى يثبت عكس ذلك.. يجب أن نعود مرة أخرى إلى حسن الاستقبال والى تقديم تحفيزات لمن يريد الحضور إلى مصر لقضاء عطلته.. نحن فشلنا فى التسويق ليس للأجانب فقط ولكن للمصريين بالخارج.. وعلى الجانب الآخر يجب ان يتفهم المصريون بالخارج أن إقبالهم على السياحة بمصر واجب وطنى له أكبر الأثر ليس فقط لإضافة العملة الصعبة بل أيضا لتخفيف الأعباء على العاملين بالسياحة بمصر وخاصة صغار العاملين فى المجال السياحى والذين عانوا معاناة قاسية فى الفترة السابقة.

وللمصريين بالخارج دور وطنى ومسئولية أمام الله والضمير فى مساهمتهم لتخفيف الأعباء على إخوانهم وأهلهم فى مصر، وهناك طرق متعددة لذلك منها المساهمة الفعالة من أجل المرضى بالقرى والنجوع.. وأنا أدعوهم إلى جذورهم فى قرى مصر وصعيدها ومدنها لمساعدة المستشفيات القروية والمركزية بها والتى انهارت فيها الخدمة مما يضعها كإحدى كبريات المشاكل الحياتية اليومية فى مصر وتمس الجميع.. وكنت أتمنى أن تكون هناك صيغة محددة تبادر بها الدولة بأن تشجع كل من ساهم بمائة ألف دولار بأن يطلق اسمه على المستشفى القروى بقريته ويتولى رعايتها ويأتى رئيسا لمجلس الأمناء لها.. إن العطاء فى القرى والمناطق المحرومة هو خير عطاء فهو يصل إلى من هم فى شدة الاحتياج حيث أردت بصمة الفقر والمرض هؤلاء إلى القاع، ومن وصل هؤلاء فقد أمن صدقاته لتكون خالصة لوجه الله.

وزيرة الهجرة تحاول أن تكسر الحاجز النفسى بسياسات جديدة تحفيزا للمصريين بالخارج وهم قوة لا يستهان بها، ولكنها تحتاج إلى عمل متواصل لكسب الثقة وإرساء الآلية.. إن المناخ أصبح مناسبا ولكن وزارة الهجرة عليها أن تنشأ برنامجا متكاملا تشارك فيه الوزرات والهيئات.. بل ان هناك دورا محوريا لهيئاتنا الدبلوماسية.. يجب أن تتحول سفاراتنا وقنصلياتنا بالخارج إلى مراكز ود وتعاطف مع كل المصريين الكادحين قبل الأغنياء وأن تنفك التكشيرة التى يستقبل بها المواطن.. يجب أن نفهم أننا لا نقل عن الدول الأخرى وتواصلها مع مواطنيها ليس فقط من أجل العملة الصعبة ولكن للترابط والتآزر والتواصل من أجل مصر الحبيبة.

[email protected]