رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ذكريات قلم معاصر

مقال الأسبوع الماضي كان عن نجل المرحوم محمود سليمان غنام باشا وزير التجارة والصناعة في كل وزارت الوفد قبل الثورة.... كان اسمه ممدوح غنام الذي كان أول دفعته في كلية الهندسة جامعة فؤاد الأول عام 1951 الذي هاجر إلي كندا بمجرد وقوف والده أمام محكمة الثورة واستقال من منصبه كمعيد في الجامعة.... بكي والده عندما استمع لمرافعة المدعي العام العسكري ضد بعض تصرفاته وألصق به بعض التهم.... فترك «ممدوح» القاعة وهو يبكي أيضاً لبكاء والده صاحب عدة مشروعات عملاقة وظل في كندا حتي وصل إلي منصب وزير كندي!.... رغم أن المحكمة برأت والده ووجهت إليه الشكر.

كتبت القصة كاملة في العدد الماضي.... لذا رأيت أن أكتب اليوم عن الفكرة التي تبناها سليمان غنام من أجل إنعاش الاقتصاد والتجارة المصرية.... كان صاحب فكرة اشتراك الحكومة مع رأس المال الخاص في إنشاء المشروعات الضخمة لصالح كل الأطراف.... في صالح الحكومة التي ستكسب الكثير مما جعل الجنيه المصري أغلي من الجنيه الذهب! الجنيه الذهب الآن يساوي 4960 جنيهاً (أربعة آلاف وتسعمائة وستين جنيهاً)! يعني خمسة آلاف إلا أربعين جنيهاً!.... أيضاً هذه الفكرة كانت في صالح أولاً وأخيراً الشعب كله.

 

سأضرب لك مثالاً.... ولعله كان بداية الفكرة

كان وزير التموين في وزارت الوفد كلها أحمد حمزة باشا الرجل الورع التقي الكريم جداً مع فقراء بلده.... كان حمزة باشا يملك عزبة ضخمة كان يزرعها كلها ورد وفل وياسمين وغير ذلك.... وكان متعاقداً مع مصانع فرنسية في مدينة ليون المشهورة بمصانعها المختلفة ومنها صناعة البرفانات والكولونيا وغير ذلك.... كان كل محصول عزبة حمزة باشا يتم تصديره طوال العام لفرنسا.... فكر الشبراويشي باشا في أن يحول عزبته إلي زراعة الورد والفل والياسمين بعد أن رأي صديقه حمزة باشا فضلاً عن الأرباح الكبيرة من بيع هذه المنتجات.... فضلاً عن ذلك حمزة باشا دماغه مرتاحة لأن الفرنسيين تولوا مهمة الانتاج ويقومون بالإشراف علي الزراعة والجني والتصدير وكل شيء.... بدأ الشبراويشي باشا بالزراعة ثم بدأ يفكر في انتاج البارفانات والكولونيا وغيرهما من سوائل طبية.... وزار مصانع ليون بفرنسا أكثر من مرة.... لماذا لا تكون عندنا هذه المصانع.... يا معالي الوزير وزير التجارة والصناعة يا سليمان باشا غنام؟.... شد حيلك!.... لا أنا وحدي لا مش ممكن نحتاج لمعاونة الدولة.... بكل سرور.... وبدأ ما سمي فيما بعد اشتراك رأس المال الخاص مع الدولة (التي سميت فيما بعد القطاع العام وسمي رأس المال بالقطاع الخاص) الذي باركته محكمة الثورة المكونة من عبداللطيف بغدادي ومعه أنور السادات وحسن إبراهيم.... ثم تنفصل سوريا عن مصر وتفشل (الجمهورية العربية المتحدة) التي كان يحلم بها «عبدالناصر» لضم كل الدول العربية.... وقام «عبدالناصر» بانقلاب العراق تمهيداً لضمها إليه.... مع إرسال كل رجال المخابرات أو معظمهم إلي بغداد.... والفريق «قاسم» يدرك ذلك فيطردهم من العراق وقتل بعضهم ويجن جنون «عبدالناصر» ويخطب ويسب ويشتم ما سماه (قاسم العراق) قال أصبح العراق قسمين.... من يريد ويحلم بعودة أمجاد يا عرب أمجاد ومن هو من أذناب الملكية والعبودية القديمة!

 

(...)

أعود إلي موضوعنا.... أقول خلال فترة جنون «عبدالناصر» بدأت كارثة التأميم.... تأميم كل الشركات والمصانع والصحف.... حتي انه أمم عربات الكارو التي تحمل الطعمية والفول المنتشرة في الشوارع ليفطر الناس في الصباح

 

(...)

خطا نفس خطوات الشبراويشي باشا كثيرون أيضاً ولكن لعل أشهرهم كان سيد يس حينما رأي أن أوروبا تستورد رمل سيناء الذي يعتبر أن نسبة نقائه 99%.... وكان هذا اكتشافا صينيا.... خبراء الصين هم الذين اكتشفوا (كنز رمل سيناء المحاطة بالمياه من كل جنب).... من هنا جاءت (تسمية الصيني) لكل الأطباق والصواني وغيرها.... أقرب رمال بعد سيناء نسبة نقائها 67%.... وتباع أغلي من رمل سيناء الذي كانت تتم تعبئة الكثير منه ويرسل إلي أوروبا دون أي مقابل.... كانت تتم سرقتنا حتي أقام سيد يس مصانعه الضخمة التي غطت كل دول إفريقيا.... هكذا كانت صادراتنا بالملايين كل يوم.... الزجاج والصيني مع القمح والقطن وزهور حمزة باشا! لم يكن الجنيه الورق أغلي عملة في العالم من فراغ بل أغني من الذهب نفسه.

 

(...)

وأذكر- لأن حسين السيد يس كان زميلنا أنا وشقيقي في مدارس العباسية الابتدائية ثم فؤاد الأول الثانوية- عاصرنا مأساة تأميم سيد يس وهبوط الانتاج ودول أخري أقامت نفس المصانع في الشرق الأوسط وإفريقيا وكاد المصنع يقفل أبوابه.... لولا صدور قرار من «عبدالناصر» نفسه بأن يتولي حسين السيد يس رئاسة مجلس إدارة المصنع.... وقام «حسين» بجولة في أوروبا.... واستقدم مصانع وآلات جديدة لإنتاج أنواع جديدة من خامة الرمال والزجاج وكيفية الرسم والنقش فوقها وعاد المصنع إلي أرباحه لدرجة أنه تم بناء مصانع أخري جديدة.

مصانع سيد يس للزجاج والخزف تحولت إلي مسلسل مشهور.... بطولة محمود يس الذي قام بدور حسين السيد يس الذي ظل يؤكد ان هذه هي مصانعه ملكه وملك أسرته حتي قتلوه! في المسلسل طبعاً.

الكلام كثير عن مصانع أخري تم تأميمها فضاعت.... كفاية مثال الصحف القومية التي كانت تكسب ذهباً.... أصبحت الآن تتقاضي مرتبات العاملين من الحكومة تحت اسم (التكنولوجيا).... لم تطبع الصحف القومية هذا العام النتائج لأول مرة في تاريخها.... وإلي الأسبوع القادم بإذن الله تعالي.