يبدو أن ما أصاب رئيسة البرازيل وأطاح بها، قبل عدة أشهر، سوف يصيب رئيسة كوريا الجنوبية ويطيح بها أيضاً، ويبدو أن الإطاحة واحدة، وإن اختلفت الأسباب!
فالأولى فى البرازيل كانت قد تلاعبت بميزانية الدولة، فلما اكتشف الناخبون الذين جاءوا بها الى القصر، أن تلاعباً لايجوز قد جرى فى الميزانية، أخرجوها من الرئاسة، وأصبح نائبها رئيساً فى مكانها، لإكمال فترتها الى أن تجرى انتخابات جديدة!.. والمؤكد أن الرئيس الجديد حين يأتى سيكون قد تعلم الدرس، ولن يفكر هو، ولا غيره من بعده، فى التلاعب فى الميزانية، ولا فى غير الميزانية، مرة أخرى!
أما السيدة بارك جون هو، رئيسة كوريا الجنوبية، فحكايتها حكاية!
فهى لم تتلاعب فى الميزانية عندها، ولا فى غير الميزانية، ولا حتى ارتكبت أى جريمة يمكن مؤاخذتها بها، وإنما كل مافى الأمر أن لها صديقة حميمة منذ ماقبل الرئاسة، وهى صديقة استغلت قربها من رأس الدولة وراحت تمارس فساداً على نطاق واسع!
ولم تكن الرئيسة بارك تعرف طبعاً، وإلا كان لها شأن آخر مع الأجهزة التى تختص بمقاومة الفساد هناك!
وفى اللحظة التى اكتشفت فيها الأجهزة المعنية فساد الصديقة، جاءوا بها من زيارة كانت تقوم بها خارج البلاد، وأخضعوها للتحقيق، وهى الآن قيد الحبس!
والحقيقة أنك كمتابع لما يحدث هناك منذ بدء الأزمة لاتكاد تعرف ماهى بالضبط جريمة الرئيسة، فهى لم تكن تعرف ما تمارسه صديقتها من وجوه الفساد المختلفة، وعندما عرفت به وصار حديث الرأى العام، قالت إنها لاتغفر لنفسها ماحدث، وأنها لاتعرف كيف تنام منذ أن أحاطوها علماً بما كان من الصديقة!
ومع ذلك فقد أصبحت البلاد أمام شبه اجماع على أن الرئيسة مسئولة عن فساد صديقتها بشكل من الأشكال، وأن عليها أن تتحمل هذه المسئولية بشجاعة، وأنها لابد أن تستقيل، وأن هذا هو أقل ما يتعين عليها أن تفعله!
وكان تقديرها أنها لم تفعل شيئاً خارج إطار القانون، وأن دفعها الى الاستقالة أمر لامبرر له، وكان محاموها ولايزالون يؤكدون على ذلك، ولكن يبدو أن الذين طالبوها بالاستقالة، وتمسكوا بمطلبهم، كانوا يتكلمون عن المسئولية السياسية، لا عن المسئولية القانونية أو الجنائية!
ورفضت هى أن تستقيل!
واجتمع البرلمان وقررت أغلبيته إقالتها!
وانتقلت سلطاتها الى رئيس الحكومة يمارسها لستة أشهر، وهى الفترة التى سوف تستغرقها المحكمة الدستورية للفصل فى الإقالة!.. والخبراء فى القضية على بعضها يقولون إن عرض المسألة على المحكمة الدستورية تحصيل حاصل، وأنها كمحكمة ستقر ما وافق عليه البرلمان!
وتجلس السيدة بارك حالياً فى انتظار حكم الدستورية، وكأنها شخص حكموا باعدامه، وينتظر تنفيذ الحكم عليه!
إننى أروى ما تشهده العاصمة الكورية الجنوبية على مدى أسابيع مضت، لا لشيء، إلا لأقول إن علينا أن نكون أشد فى مواجهة الفساد بكل أشكاله، لأن الذى صنع لكوريا الجنوبية مكانتها الراهنة بين الأمم، أشياء كثيرة طبعاً، غير أن فى مقدمتها أنها كدولة، لا تفاصل ولا تساوم أمام أى فساد من أى نوع.