رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية

أذكر ذلك اليوم جيدا، عندما خرجت من باب بيتى مهرولاً لتحقيق إنجاز جديد مهم فى مجال عملى.. اخترقت قدمى كيساً لمخلفات جارى، بعد أن انفجرت محتوياته على أرض الشارع إثر قذفها من دور علوى بجانبى وكـأنه كان يقصدنى.. وعندما انبطحت زلقاً بسترتى الجديدة ذات اللون السماوى بسبب محتويات الكيس المدهننة، كانت ملابسى قد اكتست فى مواقع كثيرة منها بألوان الشارع السوداوية، فصرخت لاعناً فى خطابية عنترية، أين أجهزة البيئة والمحافظة والشرطة؟.. وعندما هدأت متجاوزاً كل أبعاد المحنة والأزمة تذكرت الموعد المحدد وضرورة مواصلة المشوار مهما كان الحال الذى صرت عليه.. فقررت الإشارة إلى تاكسى بعظمة من نهض من عثرته ضماناً لسرعة الوصول والحفاظ على ما تبقى من معالم هندامى.. وعندما خرج بى التاكسى من شارعنا الفرعى إلى الشارع الرئيسى رأيت كمّاً هائلاً من السيارات المزروعة فى أماكنها فى صبر وتجلد.. ولما تفتق ذهن السائق الهمام فى الهروب من شارع جانبى آخر، تهللت أساريرى وهو يجتاز بأداء بهلوانى للمرور من شارع إلى حارة وأخرى مرتاداً مناطق لم أكن أتخيل أن تضمها العاصمة.. وفى مفاجأة توقف التاكسى وعشرات من العربات أمامنا وخلفنا فى حالة انسحاق وسكون الموت.. فلا شوارع جانبية يمكن الفكاك عن طريقها ولا سبيل إلى العودة.. فهرولت بين السيارات أنا وغيرى لنسأل عن سبب حالة الشلل المرورى، فإذا بنا جميعا نكتشف أن كبير هذه المنطقة قد وافته المنية فجر اليوم فأقاموا له سرادقاً عظيماً أغلق المنفذ الوحيد للخروج من ذلك الحى.. فهرولت مرة أخرى ذات اليمين وذات اليسار صارخاً ناقماً.. فإذا بأشاوسة وبلطجية الشارع يحملوننى ويقذفون بى على أسفلت الشارع العمومى بعدما اتهمونى بخدش حرمة أحزانهم بعويلى غير المفهوم وأسئلتى غير ذات المعنى حول أين أجهزة الحى وعساكر القسم.. من صرح لهم؟.. هل لم يرهم مسئول؟ ... الخ

مرة أخرى لملمت أوراقى التى أعددتها لتحقيق إنجازى المرتقب، والتى تبعثرت متطايرة على جنبات الطريق لأنهض من جديد.. ولما نظرت حولى وجدت أخوة لى قد قذفت بهم شوارع أخرى جانبية وقد أنهكهم الصراخ بأسئلة أخرى أين أجهزة الصحة؟.. أين الإعلام؟.. أين رجال التعليم؟.. الحكومة فين؟ وعندما أمعنت النظر فى ملامحهم اكتشفت أننى أعرفهم.. إنه حسانين أفندى موظف الأحوال المدنية نجم صفحة الحوادث بعد تكرار مخالفاته.. والآخر هو الدكتور فلان مسئول مستشفى الفواجع.. والثالث مهندس مسئول الإشراف على مزلقانات الموت بهيئة النقل والكوارث .. كلهم كانت لى معهم مواجهات وصفتها فى حينها بأنها مآس موجعة، وعندما هدأت حاولت الإجابة عن أسئلة هؤلاء ممن انبطحوا بجوارى على أسفلت الشوارع، يبحثون فيها عن أجهزة حكومتهم، وعما أسموه افتقاد هيبة الحكومة وغيبة رموزها فإذا بى أراهم فى موقعى الضحية والجلاد فى آن واحد.. إنها فقط ظروف نتبادل فيها الأدوار السلبية، نتبادل فيها الحوار والجدل العبثى فى أزمنة وأمكنة كثيرة مختلفة، ولكننا اكتفينا بالصراخ والنقد والعويل.. والحكومة بدورها قد استنفدتها محاولات التحمل والتجمل لدرء مخاطر أقلام الهواة فى بريد الصحف وبرامج التحقيقات الإذاعية والتليفزيونية ودراسات المتخصصين وتصريحات نواب الشعب.. فصارت أجهزتها تقوم بتشكيل لجان وإنشاء هيئات وتخصيص وزارات وتعيين قيادات جديدة، لعل فى ذلك الحل، وإن لم يكن كذلك فقد حقق على الأقل لوناً من ألوان تهدئة الخواطر.. والخواطر ليس لها من سبيل للهدوء إلا أن نعمل جميعاَ وندعم ونساند من قد تعثر أو تخلف منا.. وبدلاً من اللوم وإلقاء التهم بحثاً عن المجرم الذى ثقب جدار المركب الذى يضمنا جميعاً، علينا أن نحشد كل قوانا لسد الثقب حتى لا يغرق بنا.. فلم يعد هناك مجال لأن نقول «ملك ولاَّ كتابة».. أقصد «حكومة ولاَّ شعب»؟.. وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال «إذا أراد الله بقوم سوءًا، سلط عليهم الجدل، ومنعهم العمل».

[email protected]