رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أذكر مرة أني كنت في باريس، وأنهم حدثونا هناك عن جهاز حماية المستهلك الفرنسى، وكيف أن القوة التي يتمتع بها في عمله، لا تعود فقط إلي أن مائة عام تقريبًا قد مضت علي نشأته، وأنه بالتالي جهاز عريق جدًا، وإنما يعود بأسه في حماية أي مستهلك، إلى أن الدولة تمنحه سلطات حقيقية تتجلي فيما يؤديه، لصالح المستهلك، أولاً بأول.. ويومًا بيوم.. بما يجعله جهازًا مخيفًا لكل من يفكر في تحقيق كسب غير مشروع علي حساب المستهلك!

لا يجرؤ تاجر هناك، علي أن يجور علي حق المستهلك، عند بيع أي سلعة، لأنه يعرف أنه إذا جار عليه، سوف يجد جهازًا قويًا في انتظاره، وسوف يكتشف عندئذ فقط، أن وراء المستهلك جهازًا حقيقيًا يعيد إليه حقه، في أي وقت.

لقد قرر اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك عندنا، وقف عرض أربعة إعلانات علي تليفزيون رمضان، لأنها تروج لكل ما هو سلبى، ولكل ما هو سيئ، بين المشاهدين.

وبرغم إيجابية القرار، وبرغم أن صاحبه يستحق التحية منا، سواء كان هو الجهاز عمومًا، أو رئيس الجهاز خصوصًا، إلا أن ما هو أهم في مثل هذا القرار، أنه يعيد تذكيرنا من جديد، بأن المشاهد للشاشة الصغيرة في رمضان، أو في غير رمضان، هو مستهلك في النهاية لسلعة وهي سلعة قد تكون في صورة إعلان، وقد تكون في صورة مسلسل درامى، وقد تكون في صورة برنامج تليفزيونى، أيًا كان نوعه، وفي كل الأحوال، فإن الذين يقفون وراء تقديم مثل هذه السلعة، في كل حالاتها، لابد أن يكونوا علي يقين، من أن مستهلكها له صاحب، وأن هذا الصاحب اسمه جهاز حماية المستهلك، وأنه سوف يمارس عمله، وسوف يؤدي مهمته، في مواجهة كل من لا يتطلع إلي المستهلك إلا باعتباره فريسة، وفقط.

عندنا إلي جوار الجهاز، جمعيات لحماية المستهلك بلا عدد، وعندنا مباحث التموين، ولكن الجهاز ربما يكون أعلاها صوتًا، وربما يكون أكثرها حرصًا علي أن يحمي المواطن، من كل أشكال الجشع، وكل صور الرغبة في الكسب علي حسابه، بأي طريقة.

ولكن.. علي الدولة أن تنتبه، إلي أن كل الجهود التي تبذلها لصالح مواطنيها، لا يجني ثمارها في الغالب، الذين يجري بذلها من أجلهم، وإذا أراد أي مسئول دليلاً، فليقارن بين سعر أي سلعة، لدي منتجها، وبين سعرها وهي في يد المستهلك، وسوف يري عندها، أنه تقريبًا لا وجه للمقارنة بين السعرين، وأن السلعة.. أي سلعة.. تصل مستهلكها بأربعة أضعاف سعرها عن المنتج، وربما هو أكثر!

وإذا كان مسئولونا المعنيون قد نشطوا قبل بدء رمضان.. لتوفير السلع خلاله في الأسواق، فالمشكلة لم تكن أبدًا في توفيرها، ولكنها كانت دائمًا في سعرها.. وهو ما يذكرني بواحدة من شركات المحمول، كانت في أول أيام عملها تتخذ لها شعارًا يقول: المحمول في يد الجميع.. وكنت أنت تجد الشعار أمامك في أي ميدان، وفي كل شارع، وكنت في الوقت نفسه تجرب المحمول في يدك، فلا يعمل، فكتبت صحيفة كبيرة، في صفحتها الأولي تصف الحكاية في كلمات موجزة، ومعبرة، وقالت: المحمول في يد الجميع، ولكنه لا يعمل!

بالمقارنة، تستطيع أن تقول، إن السلع أمام الجميع.. ولكنها فوق الطاقة علي الشراء، وفوق الاحتمال، وفوق قدرة الغالبية ماديًا، وفوق مستوي الجانب الأكبر من أصحاب الدخول الصغيرة!

قرار جهاز حماية المستهلك، بوقف الإعلانات الأربعة، في حاجة إلي أن يتحول إلي أسلوب عمل دائم، ولن يتحول إلي ذلك، إلا إذا وقفت الدولة وراء جهازها بكل قوتها، فلا يتغذي الجشعون، ولا يحققون الثروات من لحم المستهلك الحى!