رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فى منتصف ثمانينات القرن الماضى، قاد مصطفى كامل مراد زعيم ومؤسس حزب الأحرار، الدعوة كى تتشارك أحزاب المعارضة  فى عمل مطبعة وشركة توزيع مستقلة، لطبع وتوزيع مطبوعات وصحف المعارضة، وتنفق – بجانب ذلك - من عوائدها كمشروع تجارى ، يسمح به قانون الأحزاب، على انشطتها الحزبية لكى لا ترهن مصائرها بغيرها، بعد تكرار المضايقات والمصادرات التى كانت تطول تلك الصحف، والقيود والشروط التى كانت تفرضها مطابع وشركات توزيع الصحف القومية، على طبعها وتوزيعها  وتكاليف إصدارها. وفى حديث معه قال لى مصطفى كامل مراد إن قادة الأحزاب لم يأخذوا الاقتراح على محمل الجد واستهانوا به، ولم يعيروه أى اهتمام، وسوف يدركون بعد ذلك ،مدى خطأ ذلك الموقف، ولكن بعد أن يكون الأوان قد فات.

وتحققت نبوءة مصطفى كامل مراد –رحمه الله رحمة واسعة - بأكبر  ربما مما كان يقدر. فأزمة الأحزاب والصحافة الحزبية قد تجاوزت الإدراك بهذا الخطأ البالغ منذ زمن، وفاقت كونه خطأ، إلى الخطيئة التى تنطوى على قصر نظر وضيق  أفق وانعدام للرؤية، وتغليب المنافسة والمنافع الشخصية التافهة، على المصلحة العامة، وليست الأزمة الخانقة التى تعيشها الصحف الحزبية الآن سوى دليل واحد، من بين أدلة أخرى، على صدق ذلك!

والأزمة التى تمر بها صحف المعارضة، لا تنفرد بها، بل أن الصحافة  القومية بمجملها، التى تملكها الدولة، وتنفق عليها، ترفل فى محيط من  المشاكل والأزمات والديون الطائلة، بينما لا يتورع بعض مسئوليها عن مواصلة استنزاف مواردها  فى مجالات عدة، بينها التسابق على المشاركة فى  رحلات الرئاسة الخارجية التى لم تطلب منهم ذلك، ومعظمها لديه مراسلون مقيمون فى الخارج، فضلا عن أن مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط فى تلك البلدان التى تحط بها زيارات الرئاسة، يكفى للقيام بتغطيتها، لو كانت الضمائر حية  بما يكفى، والإحساس بالمسئولية حاضرا. وحتى الصحف الخاصة التى يقف وراء تمويليها رجال أعمال قادرون على الإنفاق  عليها بسخاء، وتحمل تبعات ما قد يصيبها من ركود، تعانى بدورها من مشاكل جمة، قد تنتهى باختفاء عدد ملحوظ منها. لكن الأزمة فى الصحافة الحزبية أكثر سوءا وأشد تفاقما، وأخطر من ألا يلتفت إليها أحد.

ويكمن جوهر مشاكل الصحافة والإعلام الآن فى تدهور الموارد الإعلانية التى كانت تعتمد عليها الصحف فى تمويلها، نتيجة الأزمة الاقتصادية الراهنة، وانصراف قطاع كبير من القراء، عن مطالعة النسخ الورقية من الصحيفة، لارتفاع تكاليف المعيشة، بما يدفعهم للاستغناء عن بعض ما يستهلكونه، اكتفاء بما تقدمه لهم الصحافة التليفزيونية، والإلكترونية، فضلا عن الركود العام الذى تشهده الحياة السياسية. ووسط هذا المناخ  من التدهور العام فى الصحافة المصرية، تبدو الصحف الحزبية هى الأكثر تضررا، والأكثر تحملا لتكلفة هذه الأزمة، التى وصلت إلى الحد الذى لم يعد يبقى من بينها سوى صحيفتى الوفد والأهالى. ولا يستطيع سوى مغرض أو غافل، أن ينكر الدور المجيد الذى لعبته الصحافة الحزبية فى توسيع نطاق حريات الرأى والتعبير فى المجتمع المصرى، وقد انعكس ذلك على الصحف القومية، التى ظلت لسنوات طويلة ذات صوت واحد، ينقل سياسات نظامى السادات ومبارك، ويبررها، ويدافع عن أخطائها.

وفى ظل مناخ من المصادرة والملاحقة لصحف المعارضة، تمكنت تلك الصحف من المساهمة فى تشكيل جيل جديد من الكتاب والصحفيين، ورسخت قيم صحافة الرأى الحر، ذات الرسالة التى تتصدى للفساد والاستبداد، وبشرت بدعوات التغيير والاصلاح الديمقراطى والدستورى والاقتصادى، وهى الرؤى التى صنعت تراكما قاد إلى ثورتى يناير ويونيو. وبسبب هذا الدور تمكنت صحف المعارضة أن تستقطب نسبة من القراء ومن المعلنين، وفرت لها موارد، كانت تكفى فى ظل الظروف الاقتصادية التى كانت قائمة، قبل ثورة يناير، من الاستمرار والقدرة على المنافسة. لكن تطورات سوق الإعلام على مشارف الثورة وبعدها، وظهور المنافسة الفضائية فضلا عن الصحف الخاصة التى أصبحت منابر بدورها للمعارضة، والتى توفرت لها رؤوس أموال وإمكانيات طائلة ،جعلتها مسرحا لاجتذاب الكتلة الأكبر من  المعلنين ومن قراء  الصحف الحزبية، ثم تكفلت الانقسامات الحزبية، والمشاكل الداخلية فى كل حزب، فضلا عن المضايقات الحكومية والتلاعب فى نتائج الانتخابات العامة التى أدت إلى تهميش دور الأحزاب فى الحياة السياسية، بإحداث اتساع مرعب فى الفجوة بين إرادات تلك الصحف ، ومصروفاتها.

وأدى الانخفاض المستمر فى سعر الجنيه، إلى تزايد مستمر فى مستلزمات  طباعة الصحف ،بالاضافة إلى انكماش سوق الإعلانات ، وتزايد المنافسة حوله، وتراجع مستوى معيشة الطبقة الوسطى، التى كانت تعتمد عليها تلك الصحف فى توزيعها، وتدهور أوضاع الأحزاب بعد ثورة يناير، ونشوء أحزاب جديدة  عجز أو عزف معظمها عن إصدار صحف جديدة، كوسيلة لاجتذاب المواطنين  للمشاركة الحزبية، وظهور اتجاه  يروج للديمقراطية غير الحزبية، وأخيرا القرار الذى اتخذته الصحف القومية برفع اسعار الطباعة لديها بنسبة 15%، كل هذه الأوضاع تدخل الصحافة الحزبية فى أزمة خانقة، يخطئ من يظن أن تجاهلها لن يكون بلا ثمن. وقد تكون ظاهرة الصحف الحزبية آخذة فى الانكماش فى العالم، إلا أن الأوضاع فى مصر مازالت تتطلب وجودها، ووفقا للمادة الخامسة من الدستور، فالأحزاب هى جزء من النظام السياسى للدولة القائم على التعددية السياسية والحزبية، وهو ما يتطلب من الدولة  وهى تفكر فى حل لمشاكل الصحف القومية، أن تمد يدها للصحف الحزبية لمساعدتها على التوصل لدرجة من التوازن المالى، بتخصيص جزء لها من الإعلانات الحكومية، والتوصل لجدولة طويلة المدى لديونها للمؤسسات الحكومية، وللمؤسسات الصحفية القومية، التى تتولى طباعة تلك الصحف وباتت تتعجل سداد هذه الديون، وتهدد بوقف طبعها، وتلك مسألة لا تعنى فقط الأحزاب وصحفها والعاملين بها، بل يفترض أن تكون كذلك للمعنيين بتطبيق بنود الدستور ودعم النظام السياسى المصرى لفكرة الحزبية والتعددية.