رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

كم عدد أمناء الشرطة في البلد؟!.. أحد التقديرات يقول إنهم 320 ألفاً.. وهناك تقدير آخر، يقول إنهم أقل قليلاً.. وثالث يقول إنهم أكثر قليلاً أيضاً!

فما المعنى؟!.. المعنى أنك أمام عدد يجري تقديره بمئات الألوف، ثم أنت أمام بلد وجد نفسه مشغولاً فجأة، بأمين شرطة أطلق النار على مواطن هنا، ثم بأمين آخر، تحرش بامرأة هناك!

سؤال جديد: كم عدد الذين تجاوزوا أثناء عملهم، من بين كل أمناء الشرطة في أنحاء الجمهورية؟!

واحد؟!.. عشرة؟!.. عشرون؟!.. مائة؟!.. سوف أفترض أن مائة أمين شرطة خالفوا، وارتكبوا جرائم في حق الناس، خلال أيام قليلة مضت، وسوف نجد انفسنا، عندئذ، أمام سؤال ثالث: إذا تجاوز مائة أمين شرطة، من بين 300 ألف أمين، فهل هذه نسبة من اجمالي العدد يمكن أن يُقال عنها، إنها تمثل ظاهرة، أو حتى تمثل خطراً، فتكون هي الشغل الشاغل لمجتمع بكامله؟!

تقديري، أنها، كنسبة، لا تمثل ظاهرة، ولا تمثل خطراً وأنها حالات، وأن كل حالة لابد أن توضع في إطارها، وأن نحاسب صاحبها، بالقانون، وبالقانون وحده، وألا نهول من الأمر، بمثل ما إن علينا في اللحظة نفسها، ألا نهون من شأنه!

ثم إن سؤالا رابعاً، لابد أن نسأله لأنفسنا، وأن نجيب عنه بأمانة: لماذا يحدث هذا الآن؟!.. وبمعنى آخر: لماذا انطلق أمناء الشرطة فجأة، يعربدون في أرجاء المجتمع، وكأنهم جميعاً، كانوا ملائكة بالامس، ثم انقلبوا، وجميعاً أيضاً، شياطين، وفي توقيت واحد؟!

فجأة، أصبح أمناء الشرطة متحللين من أي قيد، ومن أي قانون، ومن أي ضابط أو رابط.. وبالأمس، أو من أسبوع، أو اسبوعين فقط، كانوا منضبطين، وكانوا ملتزمين، ولم يكن بينهم مخالف واحد!

في داخلي إحساس، بأن المسألة على بعضها مصنوعة، بشكل من الأشكال، وأن وراءها هدفين لا ثالث لهما!

أما الأول، فهو أن ننشغل كلنا.. نعم كلنا. ولفترة طالت أو قصرت، بقضية ليست هي أبداً القضية التي يجب أن ينشغل بها مجتمع في ظروف مجتمعنا.. وإذا شئت دليلاً على صدق كلامي، فلست أطلب منك شيئا، إلا أن تنتظر أسبوعين أو ثلاثة من الآن، وعندها سوف لا تطالع حرفاً عن أمناء الشرطة، ولا عن تجاوزاتهم في أي صحيفة!.. وسوف يكون عليك، عندئذ، أن تسأل نفسك: كيف التزم أمناء الشرطة فجأة هكذا، بمثل ما كانوا قد تجاوزوا فجأة أيضاً.. كيف؟!

إنني مضطر لأن أعيد تذكير الجميع بأني لست مع تجاوز أمين شرطة واحد، في حق أي مواطن أياً كان حجم التجاوز، ومهما كان هيناً، ولكني ضد أن تقوم الدنيا كلها مرة واحدة، ثم تقعد الدنيا ذاتها، مرة واحدة أيضاً، حول مشكلة تقع في أي بلد، فيعالجها أصحابها هناك مثلها مثل غيرها، ويواجهونها بشكل هادئ، وطبيعي، ودون تشنج، ولا عصبية من نوع ما تراه كلما طالعت صحيفة، هذه الأيام، أو أطللت على فضائية!

الهدف الثاني، الذي أحس بأنه وراء تضخيم الموضوع، وصب الزيت على النار فيه، أولاً بأول، هو أن الشرطة - كجهاز - فيه الصالح وغير الصالح، لاتزال تمثل هدفاً، ضد الذين عجزوا عن اسقاطها في 28 يناير 2011.. إن ما جرى في ذلك اليوم، لايجوز أن يغيب عن بالنا، لأن استهداف مراكز وأقسام الشرطة، في كافة المحافظات، في توقيت واحد، وبطريقة واحدة، لم يكن صدفة، ولم يقع عبثاً هكذا، ولكنه كان يجري في حينه، عن قصد، وبهدف.

ذلك القصد، فيما يخص الجهاز لا مجرد أفراد فيه، لايزال قائما، ولايزال الذين فشلوا قبل خمس سنوات، يحاولون من جديد، ولكن بوسائل أخرى، وتقديرهم في ظني، وهم يحاولون، مرة بعد المرة، أنهم اذا كانوا قد فشلوا في حرق أقسام ومراكز الشرطة، في 28 يناير 2011، أو بمعنى أدق فشلوا في تحقيق الهدف، من وراء الاحراق، فليجربوا حرق «صورة» الجهاز كله، لدى الرأي العام، بدلاً من حرق مراكزه وأقسامه!

مجتمعنا لابد أن يكون أقوى مما نراه، ولابد أن نكون أكثر وعياً، ولا يمكن أن يتم استدراجنا كلنا هكذا، بين كل فترة وأخرى، نحو الانهماك في قضية، من نوع قضية أمناء الشرطة هذه، هي في الحقيقة ليست قضية حقيقية، وسوف تكون قضية حقيقية حين نجلس مع أنفسنا، دون صراخ من نوع ما تسمعه، ثم نقول بأن جهاز الشرطة ككل، عليه ملاحظات من حيث الأداء، هي كذا.. وكذا.. وأن التعامل مع هذه الملاحظات، يكون في كيت.. وكيت.. في أدائه العام كجهاز يتكفل بتوفير الأمن، كخدمة، لكل مواطن في مكانه.

أمناء الشرطة، ليسوا ملائكة، ولا هم شياطين، مثلهم مثل غيرهم في مجتمعهم، فمتى لا يجري استدراجنا بسهولة هكذا، في اتجاه ما هو هامشي في القضية كلها.. متى؟!.. علينا، في هذه القضية، وفي كل قضية مماثلة، أن نتطلع الى ما وراء الصورة، قبل أن ننشغل بالصورة ذاتها!